بسم الله الرحمن الرحيم
الفــرق الإســلامية الـتي
عاصـرت ورأي الـشافــعي فيهم
التقى الإمام
الشافعي بآحاد من المنتمين للفرق الإسلامية وهي :
1. الشيعة : هي أقدم الفرق الإسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم السياسي
في آخر عصر عثمان رضي الله عنه، ونما وترعرع في عهد علي رضي الله عنه. وبعض فرقهم
المشهورة منها :
أ. السبئية : هم أتباع عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا من أهل
الحيرة، أظهر الإسلام، وأمه أمة سوداء، ولذلك يقال له ابن السوداء، وقد كان من أشد
الدعاة ضد عثمان، وقد تدرج في نشر أفكاره ومفاسده بين المسلمين وأكثرها موضوعة على
علي رضي الله عنه.
ب. الكيسانية : هم أتباع المختار بن عبيد الثقفي. وقد كان خارجيا ثم
صار من شيعة على رضي الله عنه. وعقيدة الكيسانية لاتقوم على ألوهية الأئمة
كالسبئية الذين يعتقدون حلول الجزء الإلهي في الإنسان، بل تقوم على أساس أن الإمام
شخص مقدس، ويبذلون له الطاعة، وثقون بعلمه ثقة بعلمه ثقة مطلقة ويعتقدون فيه
العصمة عن الخطاء لأنه رمز للعلم الإلهي. ويدينون الكيسانية كالسبئية برجعة الإمام
وهو بنظرهم بعد علي والحسن والحسين ومحمد بن حنفية.
ت. الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه. هذه
الفرقة هي أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية، وهي لم تغل في معتقداتها، ولم
يكفر الأكثرون منها أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولين، ولم ترفع
الأئمةإلى مرتبة الإله، ولا إلى مرتبة النبيين.
وقوام هذا المذهب أن الإما منصوص عليه بالوصف لا بالإسم وهي فاطميا ورعا
عالما سخيا يخرج داعيا الناس لنفسه
ث. الإمامية : هم القائلون بأن إمامة علي ثبتت بالنص عليه
بالذات من النبي صلى الله عليه وسلم نصا ظاهرا ويقينا صادقا من غير تعريض بالوصف،
بل إشارة بالعين، وعلي نص على من بعده وهكذا كل إمام، قالوا وما كان في الدين أمر
أهم من تعيين الإمام حتى تكون مفارقته على فراغ قلب من الأمة ويتركها هملا.
ج. الإثنا عشرية والإسماعيلية : الأولون الذين يرون أن الخلافة بعد الحسين لعلي زين
العابدين ثم الباقر بن زين العابدين ثم لجعفر الصادق بن محمد الباقر ثم لابنه موسى
الكاظم ثم لعلي الرضا ثم لمحمد الجواد ثم لعلي الهادي ثم للحسن العسكري ثم لمحمد
ابنه وهو الإمام الثاني عشر.
2. الخوارج : وسموا بالحرورة نسبة إلى حروراء التي خرجوا إليها.
فالخوارج مذهب سياسي في الأصل غير أنه لما كانت السلطتان الدينية والدنيوية
ممتزجين في الإسلام وهما معا عنصر الإمامة فإن للخوارج وجهة نظر في الأمور الدينية
أيضا. عرض الخوارج رئاستهم على عبد الله بن وهب الراسبي، فبايعوه وسموه أمير
المؤمنين.
3. المعتزلة : ليس أحد يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول
الخمسة : التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس فهو معتزلي. وهذه هي
الأصول الجامعة لمذهب المعتزلة. وأفتى الإمام محمد بن الحسن الشيباني بأن من صلى
خلف المعتزلة يعيد صلاته، والإمام أبو يوسف عدهم من الزنادقة، والإمام مالك لم
يقبل الشهادة من أحدهم.
رأي الشافعي في علم الكلام ونهيه عن الاشتغال فيه
قال الشافعي : " إياكم والنظر في الكلام، فإن الرجل
لو سئل عن مسألة في الفقه وأخطأ فيها كان أكثر شيء أن يضحك منه، كما لو سئل عن رجل
قتل رجلا، فقال ديته بيضة، ولو سئل عن مسألة في الكلام فأخطأ نسب إلى البدعة
". وكان يقول : " رأيت أهل الكلام يكفر بعضهم بعضا، ورأيت أهل الحديث
يخطئ بعضهم بعضا، والتخظئة أهون من الكفر" .
ولكن هل كان الشافعي مع نهيه عن علم الكلام على جهل به؟
فقد روي عن المزني أنه قال : "كنا على باب الشافعي رحمه الله نتناظر في
الكلام فخرج الشافعي إلينا، فسمع بعض ما كنا فيه، فرجع عنا، ثم خرج إلينا وقال، ما
منعني عن الخروج إليكم
إلا أنني سمعتكم تتناظرون في الكلام أتظننون إني لا أحسنه، لقد دخلت فيه، حتى بلغت مبلغا عظيما، إلا أن الكلام لا غاية له، تناظروا في شيء إن أخطأتم فيه يقال أخطأتم، ولايقال كفرتم". وليس الشافعي العاقل هو الذي ينهى عن أمر لايعرف موضوعه، ولايتصوره، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكيف يتصور أن ينهي الشافعي عن علم لايتصوره ولايعرفه([1]).
إلا أنني سمعتكم تتناظرون في الكلام أتظننون إني لا أحسنه، لقد دخلت فيه، حتى بلغت مبلغا عظيما، إلا أن الكلام لا غاية له، تناظروا في شيء إن أخطأتم فيه يقال أخطأتم، ولايقال كفرتم". وليس الشافعي العاقل هو الذي ينهى عن أمر لايعرف موضوعه، ولايتصوره، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكيف يتصور أن ينهي الشافعي عن علم لايتصوره ولايعرفه([1]).
ولاشك أن هذا الخبر يدل على أن الشافي كان على إلمام
بهذا العلم، وبالمسائل الذي يخوض العلماء فيها. وإبغاض الناس في علم الكلام
ليبعدوا عنه ولا يخوضوا فيه. لأن المؤمن لايصل منه إلى طائل وأن مسائله شائكة : المخطئ يكفر. ولأن
علم الكلام كان سببا رئيسيا وطريقا سهلة للبدعة وأهلها حذر منه أشد التحذير فكان يقول
: "ما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله" ولهذا لقب الشافعي حينما قدم
بغداد بناصر السنة([2])، لأنه نصر السنة في
معركتها ضد البدعة والذي شهد عصره انتشارا واسعا لها في بعض الأقاليم خاصة العراق
والتي كانت تعج بالكثير الكثير من الأهواء والبدع المفارقة للإسلام وهدية.
رأي الشافعي في الإمامة
يرى الشافعي أن الإمامة لابد منها ويعمل تحت ظلها المؤمن
ويستمتع فيها الكافر ويقاتل بها العدو وتؤمن بها السبل ويؤخذ بها للضعيف من القوي
حتى يستريح بر ويستراح من فاجر. ولقد كان يرى أن الإمامة في قريش كما يرى جمهور
المسلمين. وإن الإمامة قد تجئ من غير بيعة إن كانت ثمة ضرورة. فالعبرة عنده في
الخلافة في أمرين : كون المتصدي لها قرشا واجتماع الناس عليه، سواء أكان الاجتماع
سابقا على إقامته خليفة كما في حال الانتخاب والبيعة أم لاحقا لتنصيبه خليفة.
واشتهر عن الشافعي أنه كان يرى أن أبا بكر أولى بالخلافة من علي رضي الله
عنهما بحديثين :
أحدهما : ما
روي بسنده من أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع
فقالت يارسول الله إن رجعت فلم أجدك كأنها تعنى الموت، فقال صلى الله عليه وسلم
فأتى أبا بكر. وهذه إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن أبا بكر هو القائم بعده.
ثانيهما : ما
رواه الشافعي بسنده أيضا من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اقتدوا
بالذين من بعدي أبي بكر وعمر". وكان يرتب الراشدين من السابقين على أزمانهم.
فأفضلهم، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي([3]).
ويري أن معاوية وأصحابه كانوا الفئة الباغية، ولذلك اتخذ
في كتاب السير سنة على في معاملة البغاة حجة. وكان لا يستحسن الخوض كثيرا فيما كان
بين علي ومعاوية ويستحسن قول عمر بن عبد العزيز عندما سئل عن رأيه في أهل صفين :
دماء طهر الله منها يدي، فلا أحب أن أخضب منها لساني.
ويذكر في الأم في باب صفة الأئمة ابتداء بفضل القريش:" أخبرنا الربيع قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثني
ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- قال: «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها، أو تعلموها»"[4].
ثم فضائل الأنصار :" قال: «لولا الهجرة لكنت امرأ من
الأنصار ولو أن الناس سلكوا واديا، أو شعبا لسلكت وادي الأنصار، أو شعبهم» حدثنا الشافعي
قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني قال: حدثني ابن الغسيل عن رجل سماه عن أنس
بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه فخطب فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا
عن مسيئهم» وقال غيره عن الحسن " ما لم يكن فيه حد " وقال الجرجاني في حديثه
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء
أبناء الأنصار»([5]).
فالشافعي مع هذه الآراء كان ككل مسلم تقي يحب آل النبي
صلى الله عليه وسلم وعترته الطاهرة المباركة، وتلك نزعة مخلصة تصيب قلب المسلم
المخلص، دليل ذلك أن الشافعي كان لا يبالي أن يرمي بأنه رافضي إذا كان كل محب لآل
محمد رافضيا بقوله المشهور:
فليشهد
الثقلان أني رافضي
|
إن كان رفضا
حب آل محمد #
|
وقال أيضا في ديوانه :
فرض من الله في القرآن أنزله
|
يا آل بيت رسول الله حبكم #
|
من لم يصل عليكم لاصلاة له
|
يكفيكم من عظيم الفخر إنكم #
|
ولقد اتهم كما عرفنا من حياته بانضمام للعلويين الذين
خرجوا على الخليفة هارون الرشيد. قد اتهم أيضا بأنه رافضي بسبب إعجابه بعلي رضي
الله عنه، وإن كان قد فضل عليه أبا بكر والاثنين من بعده، وبسبب أنه كان يأخذ
بسيرة علي في حربه مع الخارجين عليه ويعتبرها الحجة في باب البغاة[6]. فقال الشافعي رضي الله عنه
: "كان فيه أربع خصال لاتكون خصلة واحدة للإنسان إلا يحق له ألا يبالي بأحد:
إنه كان زاهدا، والزاهد لايبالي بالدنيا وأهلها، وكان عالما والعالم لايبالي بأحد
، وكان شجاعا والشجاع لايبالي بأحد ، وكان شريفا والشريف لايبالي بأحد. وهكذا نجد
الشافعي رضي الله عنه يتحرى القصد والاعتدال في آرائه دائما فهو يحب عليا ويعجب به
ويعتبر الخارجين عليه بغاة، ويعتبر معاملته لهم حجة يأخذ بها ولكنه لا يدفعه الحب
إلى تقديمه على أبي بكر وعمر وعثمان، حتى إذا قيل له في ذلك ذكر محبته لعلي.
ﭽ والله أعلم بالصواب ﭼ
قائمة المراجع :
-
البداية
والنهاية، أبو الفداء إسماعيل
بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان،
بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997م.
-
الأم، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس (المتوفى: 204هـ)،
دار المعرفة، بيروت-لبنان، سنة 1410هـ/1990م.
-
الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر
بن محمد البغدادي، دار الآفاق الجديدة، بيروت-لبنان،
الطبعة الثانية ، سنة 1977م.
-
الشافعي-حياته
وعصره-آراؤه وفقهه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية، سنة
1367هـ-1948م.
0 comments:
Posting Komentar