Kamis, 20 Desember 2012

الاجتهاد من عصر إلى عصر [ عصر الرسالة – عصر الصحابة – عصر التابعين ]



بسم الله الرحمن الرحيم
الاجتهاد من عصر إلى عصر
[ عصر الرسالة عصر الصحابة عصر التابعين ]



‌أ.     كلمة الاجتهاد  :
      الاجتهاد في اللغة  : مأخوذ من الجَهْد بفتح الجيم وضمها وهو الطاقة والمشقّة([1]) ، فيختص بما فيه مشقة ؛ ليخرج عنه ما لا مشقة فيه . تقول  : أجتهد في حمل الحجر ، ولا تقول  : أجتهد في حمل الريشة . وقد يطلق لغةً أيضا على استفراغ الوسع في تحصيل الشيء([2]) . فالاجتهاد في علوم الدين ليس مجرد دراسة في أوقات الفراغ أو لقضاء الوقت في المجالس أو للحصول على شهادة ، ولكنه أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة بحيث يجتهد الطالب نفسه أو يبلغ جهده في الطلب . فمن فعل ذلك فهو مجتهد من جهة اللغة . ولكن جرى اصطلاح الفقهاء والأصوليين على أنّ المجتهد هو من تجاوز المراحل الأولى من الاجتهاد بمعنى العام في اللغة ووصل إلى مرتبة في العلم تمكّنه من استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويكون قادراً على استعمال آلات الاجتهاد . 
      والاجتهاد عند اصطلاح الأصوليين  : بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط([3]) . ومن هذا التعريف الاصطلاحي للاجتهاد، يتبين أربعة أشياء :
1.     أن يبذل المجتهد وسعه ، أي  : يستفرغ غاية جهده بحيث يحسّ من نفسه من العجز عن المزيد عليه .
2.     أن يكون الباذل جهده مجتهداً ، أما غيره فلا عبرةَ بما يبذله من جهد ؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد . وإنما يكون مقبولاً إذا صدر من أهله .
3.     أن يكون هذا الجهد لغرض التعرف على الأحكام الشرعية العلمية دون غيرها ، فلا يكون الجهد المبذول للتعرف على الأحكام اللغوية أو العقلية أو الحسية من نوع الاجتهاد الاصطلاحي عند الأصوليين .
4.     يشترط في التعرف على الأحكام الشرعية أن يكون بطريق الاستنباط ، أي  : نيلها واستفادتها من أدلتها بالنظر والبحث فيها . فيخرج بهذا القيد حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي أو بإدراكها من كتب العلم ، فلا يسمى شيء من ذلك اجتهاداً في الاصطلاحي([4]) .
ب‌. العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي :
بعد أن نعرف الحد اللغوي والاصطلاحي للاجتهاد، يقول الدكتور نادية شريف العمري  : (( إن المعنى الاصطلاحي لم يبتعد عن المعنى اللغوي ، كما هو واضح من ذكر التعريفين ، فالتوافق ظاهر ، ونقطة الالتقاء بينهما واضحة ، وهي المبالغة في كلا الاستعمالين ويمكننا أن نقول : إن بين المعنيين عموم وخصوص مطلق ، أما استعمالها في الاصطلاح الأصولي فهو مختص ببذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي . وهذا هو الشأن في علاقة التعريف اللغوي بالتعريف الاصطلاحي غالباً))([5]) .
‌ج. الاجتهاد من عصر إلى عصر  :
·  اجتهاد الرسول
فقد اختلف العلماء في وقوع الاجتهاد من رسول الله  ﷺ حيث ذهب بعضهم إلى عدم وقوعه ؛ لقوله تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا مايوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)  [يونس  : ١٥] وقوله تعالى : (إن هي إلا وحي يوحى)  [النجم  : 4] . وقال بعض آخر : إنه كان يجتهد
في الآراء والحروب لا في الأحكام ، لكن أكثر العلماء قالوا بوقوع الاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام في الأغراض المختلفة ، وكان الوحي مثبتاً لنتيجة هذا الاجتهاد عن طريق الإقرار أو مبينا . إنها كانت خلاف الأولى([6]) . والدليل : ماجاء في قوله تعالى : (يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك)  [التحريم  : 1] ، وقوله تعالى : (عفا الله عنك لم أذنت لهم)  [التوبة : ٤٣] ، وقوله تعالى :( ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) [الأنفال  : ٦٧] ، وما جاء في الحديث قوله  ﷺ للمرأة التي قالت  : يارسول الله ، إن أمي ماتتْ وعليها صوم نذر ، أفأصوم عنها ؟ قال : ((أرأيت لوكان على أمك دين فقضيتِه ، أكان يؤدٍِّي ذلك عنها ؟)) قالت  :نعم ، قال  :((فصومي عن أمك))([7]) ،  وغير ذلك كثير .

·  الاجتهاد في عصرالصحابي
إلى جانب ما تقدم ، فإنّ رسول الله صلى الله علي وسلم كان يحضّ أصحابَه على الاجتهاد في حياته ليمرّنَهم عليه حتى برز فيهم عدد كبير منهم : الخلفاء الراشدون ، وابن عوف ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وعبادة ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وأبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري ، وعمار بن يسار ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة ، وعثمان بن معظون ، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا([8]) .
فإذا كان عصر النبي  ﷺ هو عصر تبليغ الشريعة ، فعصر الصحابة هو عصر حفظها . ولم يكن عمل الصحابة أن ينقلوا فقط ، بل كان عليهم أن يستنبطوا وأن يجتهدوا آراءهم فيما لم يعلموا من النّبي  ﷺ فيه أمراً([9]) . ولقد قال النبي  ﷺ فيما رُوي الثقات لمعاذ بن جبال وقد أرسله قاضياً على اليمن . قال له : ((بم تقضي ؟)) قال : بكتاب الله . قال  :((فإن لم يجد ؟)) قال  :فبسنة رسول الله . قال  : ((فإن لم تجد ؟)) قال  :أجتهد ولا آلو([10]) .
·  الاجتهاد في عصر التابعين
          تصدى التابعون لحمل عبء الاجتهاد العظيم في عصرهم بكل ثقة بالنفس وجرأة ومغامرة حميدة، ونمت الحركة الاجتهادية في الحجاز والعراق لأسباب كثيرة، أهمها ما قد لخصته من كتاب ((اجتهاد التابعين)) للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، كالتالي([11]) :
1-     اتساع رقعة البلاد الإسلامية كثيرا، وامتداد الفتوح في ظل الحكم الأموي.
2-     تغير أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية عما كان عليه عهد الصحابة والخلفاء الراشدين.
3-     ظهور انقسامات حادة في مجال السياسة والفكر، أدت إلى وجود الفرقة والخلاف، والاصطدام المسلح بين أنصار الحكم ومناوئيه.
4-     الحروب الداخلية التي ذهب ضحيتها آلاف النفوس المؤمنة، حتى في ساحات عاصمة الإسلام.
5-     تقويم وتقدير سياسة الأمويين.
وكان أولئك التابعون ينقلون أحاديث الرسول والآثار المروية عنه ، وينقلون علم الصحابة ويعتبرون ما أجمع  عليه الصحابة حجةً قطعيةً . وأخذت في عهد التابعين مناهج الاجتهاد تتميّز من غير انحراف ولا يخرج  عن الرَّبقَة ، بل الجميع متعلقون با لكتاب والسنة وعلم الصحابة([12]) .
فقد اعتبر فقهاء المدينة المنورة بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد وقد أخذوا علمهم عن زيد بن ثابت وعبد الله بنت عمر رضي الله عنهما. وأما مدرسة الرأي في الكوفة: هم علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة بن عمرو السلماني، وشريح بن الحارث، والحارث الأعور، وإبراهيم النخعي إمام المدرسة، وقد أخذ هؤلاء العلم عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود.

والله أعلم بالصواب



[1]الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، مادة [ج ه د] ، ص249 ، ،  دار الفكر ، بيروت -  لبنان ، الطبعة الأولى ،سنة1431هـ - 2010 .
[2]أحمد ، النفحات على شرح الورقات ، ص163 ،  الحرمين جايا، سورابايا-إندونيسيا، الطبعة الأولى، 1427هـ-2006م.
[3] -  عبد الكريم ، الوجيز في أصول الفقه ، ص 317 ،  مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1431هـ-2010م.
[4] - المرجع السابق،  ص317 .
[5] -  نادية شريف ، اجتهاد الرسول ، ص33 ، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1401هـ-1981م.
[6] -  أحمد علي طه ، مذكرات في تاريخ التشريع الإسلامي لطلبة كلية الشريعة بجامعة الأحقاف ، ص53 .
[7] -  مسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام ، باب قضاء الصيام عن الميت ، حديث رقم (1148)، تحقيق محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1415هـ-1994م.
[8] -  أحمدعلي طه ، مرجع سابق ، ص54 .
[9] -  تيمور باث ، نظرة تاريخية في حدوث المذهب الفقهية الأربعة  : الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلى ، ص21 - 22 ، دار القادري، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1411هـ-1990م.
[10] - الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، مادة [أ ل و] ، ص1134 .
11- الزحيلي، اجتهاد التابعين ص 9، دار المكتبي، دمشق سورية، الطبعة الأولى، سنة 1420 هـ.
[12] -  تيمور باث ، مرجع سابق ، ص23 - 24 .

0 comments:

Posting Komentar

 
;