Selasa, 28 Januari 2014 0 comments

تقديم النفس على الدين؛ مفهومه وحجيته


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله له الفضل والمنة على ما تكرم به على عباده الصادقين في اتباعهم لنهج رسوله الآمين، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا الذي دلّنا على الدّين عند الله، وعلى آله الطاهرين وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذا بُحيث في عجالة حول «ترتيب الكليات الخمسة» في علم المقاصد الذي يلفت نظري إلى أن أتفكر فيه بالدقة وبالنظر إلى دليل الشارع ومقصده. وذلك، حيث وجدت مجالا للنقاش في هذا الموضوع. فاخترت موضوعا خاصا الذي ذكرته في العنوان «تقديم النفس على الدين؛مفهومه وحجيته».
وفي الحقيقة،قد اختلف العلماء في ترتيب الكليات الخمسة- وسوف أذكره بالتفصيل في موضعه- ولا أريد أن أنشأ قولا أو فرعا جديدا. وإنما قصدي بهذا البحث القاصر، إظهار قول القائل وإبراز قوة رأي ذلك القائل.
فيحتوي البحث على أربعة مباحث :
أولا: مفهوم عام عن كليات الخمسة
ثانيا: ترتيب كليات الخمسة
ثالثا: الدليل على ذاك الترتيب
رابعا:المقصود بحفظ الدين
وفي الختام سوف أقوم بخلاصة البحث وبيان ثمرته مختصرا.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في العمل و يبارك لنا بالفهم والإفهام، إنه ولي ذلك والقادر عليه. فلنبدأ ،
أولا : مفهوم عام عن كليات الخمسة
        لا يعني بالمصلحة أنها جلب منفعة أو دفع مضرة فحسب، بل كان لها معنى أوسع وأوضح من هذا. فإن جلب المنفعة ودفع المضرة هو مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم. وقد بيّن الغزالي في المستصفى بأن المراد بالمصلحة هي المحافظة على مقصود الشارع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم. ثم بعد ذلك ذكر لنا الغزالي ضابط المصلحة والمفسدة بقوله : «فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة» ([1]).
أما الدين فهو محفوظ بشرع الزواجر عن الردة والمقاتلة مع أهل الحرب وقد نبه الله تعالى عليه بقوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر). وأما النفس فهي محفوظة بشرع القصاص وقد نبه الله تعالى عليه بقوله: (ولكم في القصاص حياة). وأما العقل فهو محفوظ بتحريم المسكر وقد نبه الله تعالى عليه بقوله: (أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر). وأما النسب فهو محفوظ بشرع الزواجر عن الزنا ؛لأن المزاحمة على الأبضاع تفضي إلى اختلاط الأنساب المفضي إلى انقطاع التعهد عن الأولاد وفيه التوثب على الفروج بالتعدي والتغلب وهو مجلبة الفساد والتقاتل، وأما المال فهو محفوظ بشرع الضمانات والحدود([2]). والحصر في هذه الخمسة الأنواع إنما كان نظرا إلى الواقع والعلم بانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة([3]). إذا، الحفظ على الدين أو النفس أو النسل أو المال أو العقل في الضروريات معتبر شرعا، وذلك عند الاستقراء بجزئيات الأدلة الشرعية ([4]).


ثانيا :ترتيب كليات الخمسة
الترتيب الذي أريد أن أعرض في هذا البحث وأرى أن هذا الترتيب له حجة قوية في الإثبات، كالآتي: حفظ النفس ، ثم العقل ، ثم الدين ، ثم النسل ، ثم المال. والمعروف عند السلف أنهم رتبوها مخالفا لهذا الترتيب حيث قدّموا حفظ الدين على ما عاده لأنه المقصود الأعظم، ثم يقدم حفظ النفس على العقل والنسب والمال لتضمنه المصالح الدينية. ومع ذلك، فقد اختلف العلماء –المتقدمون أو المعاصرون- في ترتيبها. بعضهم قال بتقديم النسب على العقل فيكون الترتيب : الدين ثم النفس ثم النسل ثم العقل ثم المال([5])، وبعضهم قال بتقديم المال على الدين فضلا عن حفظ النفس والعقل والنسب([6]) . وعند الزركشي : النفس، ثم المال، ثم النسل، ثم الدين، ثم العقل([7]). وعند ابن نجار الحنبلي زيادة على الخمسة : العقل، ثم الدين ، ثم النفس، ثم النسب، ثم المال، ثم العرض([8]).  فحينئذ، انتُقض من قال بأن الترتيب الذي ذكره الإمام الغزالي في المستصفى حيث كان الدين ثم النفس ثم العقل ثم النسب ثم المال هو الإجماع،وأنه لا دليل على ذلك.
يقول الدكتور علي جمعة في كتابه المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية : «إننا في تعاملنا مع التراث لا ينبغي أن نقف عند مسائل السلف ، بل لا بد علينا أن نأخذ بمناهجهم. فمسائل السلف مرتبطة بأزمانهم ، ومشكلات الواقع الذي عاشوه ، في حين أن مناهجهم اهتمت بكيفية تطيق الوحي الإلهي على الوجود . وبمعنى آخر اهتمت بتطبيق المطلَق على النسبي. فإذا ما أردنا أن نلتزم بمناهجهم وأن نهتم بتشغيلها في واقع حياتنا المعاصرة فلا بد علينا أن نتفهمها ، وأن لا نقف بها عند المسائل التي عاشوها ، وعالجوها. وبذلك، فنحن لم نخالف مناهج السلف في ترتيبها ، بل رتبناها بدرجة تسمح بتشغيلها أكثر مع معطيات الحضارة الإنسانية المتشابكة منذ بداية هذا القرن إلى الآن»([9]).
        ثم بعذ ذلك، بيّن لنا الدكتور على ضرورية إعادة النظر في ترتيبها. وأن هناك حاجة ماسة في التغيير. فليس مقصودنا في ذلك أننا مخالفا لمنهج السلف، بل هذا مما سلكه السلف واعتمادهم عليه؛ وذلك بالنظر إلى واقع الحياة ليعالج مشاكلها وللوصول إلى مقصد الشارع في تشريع الأحكام.
 يقول الدكتور : « ومثال ذلك : يتضح من ترتيب الكليات الخمس عند السلف ، حيث رتبوها بطريقة تناسب عصرهم ، واستوعبت جميع المسائل القائمة ، بل والمحتملة في وقتهم. إلا أنه في العصر الحاضر ، ومع سرعة تطور أنماط الحياة ، والانطلاقة الهائلة في  ورة المعلومات ، والتقدم التقني - أصبح من الضروري ، إعادة ترتيبها حتى تعمل بطريقة أكثر فاعلية مع مقتضيات ومتطلبات هذا العصر»([10]).
ثالثا : الدليل على ترتيب الكليات الخمسة ؛ النفس، ثم العقل، ثم الدين، ثم النسل، ثم المال
        وهذا الترتيب وإن كان جديدًا إلا أنه لا يخرج عن كلام السابقين ، ولا يعارضهم. وبالتالي فهو لا يخرج أيضًا عن الدليل الشرعي حتى يكون بدعة مثلًا ، وإنما هو مدخل من المداخل التي يستقيم معها حال الأمة في العصر الراهن. فبإمكاننا أن نعرّض أدلة من قال بأن حفظ النفس مقدم على حفظ الدين كالتالي:
1-أن ما يفضي إلى حفظ مقصود النفس أولى وأرجح؛ وذلك لأن مقصود الدين حق الله تعالى ومقصود غيره حق للآدمي، وحق الآدمي مرجح على حقوق الله تعالى؛ لأنها مبنية على الشح والمضايقة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والمساهلة من جهة أن الله تعالى لا يتضرر بفوات حقه. فالمحافظة عليه أولى من المحافظة على حق لا يتضرر مستحقه بفواته. ولهذا رُجّح حقوق الآدمي على حق الله تعالى بدليل أنه لو ازدحم حق الله تعالى وحق الآدمي في محل واحد، وضاق عن استيفائهما بأن يكون قد كفر وقتل عمدا عدوانا نقتله قصاصا لا بكفره.
2-وأيضا قد رُجّحتْ مصلحة النفس على مصلحة الدين، حيث خفّف الشارع عن المسافر بإسقاط الركعتين وأداء الصوم، وعن المريض بترك الصلاة قائما وترك أداء الصوم. وقدّمت مصلحة النفس على مصلحة الصلاة في صورة إنجاء الغريق. وأبلغ من ذلك، أن مصلحة المال رُجّحت على مصلحة الدين حيث جوزنا ترك الجمعة والجماعة ضرورة حفظ أدنى شيء من المال. وكذا رجّحت مصالح المسلمين المتعلقة ببقاء الذمي بين أظهرهم على مصلحة الدين حتى عصمنا دمه وماله مع وجود الكفر المبيح.
3-وكدليل إجمالي على هذا الترتيب، أنه منطقية الترتيب:وذلك حيث إنه يجب المحافظة أولًا على النفس التي تقوم بها الأفعال ، ثم على العقل الذي به التكليف ، ثم نحافظ على الدين الذي به العبادة، وقوام العالم. ثم نحافظ بعد ذلك على ما يترتب على حفظ الذات ، والعقل ، والدين ، وهو :المحافظة على النسل النابخ من الإنسان ، وما يتعلق ، أو ما يندرج تحت هذا العنوان الكلي ، من المحافظة على العِزض ، وحقوق الإنسان وكرامته. ثم بعد ذلك نحافظ على قضية المِلْك ، وهى التي بها عمارة الدنيا عند تداولها ،ذلك المال الذي إذا ما تُدُووِل ، فإنه يمثل عصبًا من أساسيات الحياة.
رابعا : المقصود بحفظ الدين
        في هذه الفقرات سوف نبين المراد بكلمة «الدين» عند من قال بأن النفس مقدم على الدين . فهذه هي نقطة أساسية لحل ما استشكل بعض العلماء في الترتيب الذي نختاره. على حين أن القدامى قد رتبوها ترتيبًا مخالفًا لذلك باعتبار أن المراد بالدين هنا:الشعائر التي تحتاج إلى النية ، أو العبادة المحضة، أو محض التعبد ، ولو كان في المعاملات، أو هو إدراك.
كما ذكره إمام الرازي في كتبه بأن المراد بالدين هو الإسلام، بدليل قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)، ثم بعد ذلك يقول: «وإنما قلنا: إن الإسلام هو الإيمان لوجهين:
الأول: أن الإيمان لو كان غير الإسلام لما كان مقبولا عند الله تعالى لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) [آل عمران: 85]، لكن الإيمان بالإجماع مقبول عند الله، فهو إذا عين الإسلام.
والثاني: قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) [الذاريات: 35، 36]  فاستثناء المسلم من المؤمن، يدل على أن الإسلام يصدق عليه» ([11]). اهـ
وليس المقصود بالدين عند القائل بتقديم النفس هو الإسلام ، بل قال: إنّ الإسلام في ذلك الاصطلاح أعمّ من الدين بهذا المفهوم ، وبالتالي فهو يشمل المقاصد الخمس([12]). فالإسلام عبارة عن : خطاب اللَّه سبحانه وتعالى للبشر ، وخطاب اللَّه للبشر  كما عُرِّف: «وضع إلهي مَسُوق لذوي العقول السليمة إلى ما فيه منفعة دينهم ودنياهم » ([13]).
فقد قال الإسنوي : «إن الإسلام والدين في اللغة هما الانقياد، وفي الشرع هما الأعمال الظاهرة كالصلاة والصوم؛ ولهذا قال تعالى: (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان فدل على المغايرة».([14])
وهذا المدخل مؤداه أن الإسلام ، وهو خطاب اللَّه سبحانه وتعالى للبشر ، أمر بأوامر ، ونهى عن نواهٍ ، هذه الأوامر والنواهي مقصدها هو : أن يحافظوا على أنفسهم ، وعلى عقولهم في تلك النفوس ، وأن يحافظوا كذلك على صلتهم بربهم ، تحقيقًا للمقصد الأول من وجود البشرية متمثلة في النفس والعقل وهو العبادة. ثم أمرهم بعد ذلك أن يحافظوا على نسلهم ، وحقوقهم ، وعمارة الأرض، وهو الذي يحقق العمارة والعبادة ، والعمارة من خلال تلك العبادة هي التي تقوم بها الدنيا، وهي أيضا تقوم بها الآخرة([15]). وأن هذه المقاصد الخمسة تمثل دائرة واحدة،كالخيمة ذات العمود والأوتاد الأربعة ، والخيمة هي الإسلام ، والعمود هو الدين ، والأوتاد الأربعة هي سائر المقاصد.
وقد يعترض بعضهم بأن تقديم النفس على الدين يَكِرُّ على حد الردة بالبطلان ، ويصبح لا معنى له. فلنا أن نقول : بأن هذا يتصور لو قصدنا بالدين في هذا الترتيب هو الإسلام. أما إذا عرفنا أن المقصود بالدين هنا هو المعنى الأخص الذي قلنا - : لإدراكنا أن هذا الترتيب أدق من سابقه في هذا الاسم، فهو يفرق بين عدم الالتزام بأصل الإيمان وما هو معلوم ضرورة من الدين وذلك هو الإسلام، وبين عدم الالتزام بالشعائر الدينية وهو مقصودنا من الدين. فنراه يعد الأول كفرًا ينهدم معه الإسلام نفسه ، وبالتالي المقاصد كلها عقيدة ونظامًا ، بينما يعد الثاني فسقًا لا يهدم المقاصد الأربعة الأخرى المتعلقة بالوجود والحضارة. بل إننا نرى أن هذا الترتيب يفرق بدقة بين الكفر والنفاق ، وعليه فلا يقتل المنافق لظهور إسلامه. وذلك ما يتفق مع النصوص كلها ، ويتواءم مع القاعدة العريضة " هلا شققت عن قلبه ؟!"([16]).



خامسا : خلاصة البحث
        لقد عرفنا بأن المصلحة هي المحافظة على مقصود الشارع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم. وهذا الترتيب الذي متعرف في الكتب. ولكن، لنا ترتيب آخر حيث قدمنا النفس والعقل على ما سواهما.
وهذا الترتيب وإن كان جديدًا إلا أنه لا يخرج عن كلام السابقين ، ولا يعارضهم. وبالتالي فهو لا يخرج أيضًا عن الدليل الشرعي حتى يكون بدعة مثلًا ، وإنما هو مدخل من المداخل التي يستقيم معها حال الأمة في العصر الراهن.
فالمراد بالدين ليس هو الإسلام. بل الإسلام له معنى خاص وهو أعم من الدين ويشمل المقاصد الخمس.  فالإسلام هو خطاب اللَّه سبحانه وتعالى للبشر-من الأوامر والنواهي- التي هي مقاصد الشارع. فلذلك، هذه المقاصد الخمسة تمثل دائرة واحدة،كالخيمة ذات العمود والأوتاد الأربعة. والخيمة هي الإسلام، والعمود هو الدين، والأوتاد الأربعة هي سائر المقاصد.
        والدليل على هذا الترتيب،أنه منطقية الترتيب.  وأن الشارع خفّف عن المسافر بإسقاط الركعتين وأداء الصوم، وعن المريض بترك الصلاة قائما وترك أداء الصوم.  وأنه قدّمت مصلحة النفس على مصلحة الصلاة في صورة إنجاء الغريق، وغير ذلك. والله تعالى أعلم وأحكم.





أهم المصادر والمراجع :
1-     القرآن الكريم.
2-  الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)،المحقق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان،
3-  البحر المحيط في أصول الفقه، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)، دار الكتبي،الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1994م.
4-  التقرير والتحبير، أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج ويقال له ابن الموقت الحنفي (المتوفى: 879هـ)، دار الكتب العلمية،الطبعة: الثانية، 1403هـ - 1983م.
5-  قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: 660هـ)،راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، طبعة: جديدة مضبوطة منقحة، 1414 هـ - 1991 م.
6-  كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي (المتوفى: 730هـ)، دار الكتاب الإسلامي.
7-  المحصول، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)،دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني،الناشر: مؤسسة الرسالة،الطبعة: الثالثة، 1418 هـ - 1997 م.
8-  المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، د. علي جمعة محمد ( مفتي الديار المصرية سابقا )، الناشر : دار السلام – القاهرة، الطبعة : الثانية - 1422 هـ - 2001 م.
9-  المستصفى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)،تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية،الطبعة: الأولى، 1413هـ - 1993م.
10-   مفاتيح الغيب  التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ.
11-   الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790هـ)،المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.
12-   نهاية السول شرح منهاج الوصول، عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 772هـ)،الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان،الطبعة: الأولى 1420هـ- 1999م.


[1]-الغزالي، مستصفى من علم الأصول، ج1 ص538.
[2]-الرازي، المحصول، ج 5، ص 160.
[3]-الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج3، ص274.
[4]-الشاطبي، الموافقات ، ج3، ص 177.
[5]-ابن أمير حاج، التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام، ج3، ص 231.
[6]-المرجع السابق.
[7]-الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، ج7، ص266.
[8]-ابن نجار الحنبلي، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير، ج 4، ص 164.
[9]-علي جمعة، المدخل إلى دراسات المذاهب الفقهية ، ص 316.
[10]-المرجع السابق.
[11]-الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، ج32، ص 246. وكذا في المحصول، ج1، ص 304.
[12]-علي جمعة، المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، ص 317.
[13]-انظر تفسير كبير للرازي (29/ 529)، و كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعلاء الدين البخاري (1/ 5)، و المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية (ص: 317).
[14]-نهاية السول شرح منهاج الوصول (ص: 124).
[15]-علي جمعة، المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، ص 318.
[16]-المرجع السابق.
0 comments

قراءة موضوعية في الزكاة؛ من عصر الرسالة إلى نهاية عصر عمر بن عبد العزيز


الحمد لله الذي أمرنا بإقام الصلاة وإتاء الزكاة رحمة بنا، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد،لقد فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة.
ومما يدل على ذلك، حديث قيس بن سعد قال : « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطرقبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله» ([1]).
وقد كان فرضها بعد فرض الصيام،بدليل حديث قيس بن سعد المذكور، مما يعني أن فرض صدقة الفطر كان قبل الزكاة، فبالتالي فرضت الزكاة بعد فرض صيام رمضان([2]).
ومما يدل على أن الإمام يرسل الولاة والجباة إلى أصحاب الأموال لقبض صدقاتهم، ما ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذا حين أرسله إلى اليمن وحثه على جمع الزكاة بقوله « إنك تقدم على أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى عبادة الله تعالى، فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب » ([3]). وقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض»([4]).


كما كتب صلى الله عليه وسلم إلى زرعة بن يزن بذلك حين قال :
« إذا أتاكم رسلي فإني آمركم بهم خيرا : معاذ بن جبل، وعبد الله بن رواحة، ومالك بن عبادة، وعتبة بن نيار ومالك بن مرارة، وأصحابهم، فاجمعوا ما كان عندكم من الصدقة والجزية فأبلغوها رسلي، فإن أميرهم معاذ بن جبل » ([5]) .
كما بعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر ليخرص النخل  وهو أحد الموارد المالية سوى الزكاة.
عن عمير : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بخرص النخل حين طاب ثمرهم». وعن عائشة: أنها قالت – وهي تذكر شأن خيبر- فقالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود، فيخرص الثمر، حين يطيب، قبل أن يؤكل. قالت: ثم يخبر يهود، أيأخذونه أم يدفعنه إليهم بذلك الخرص؟»([6]).
 كما نصب عقبة بن عامر الجهني ساعيا على الزكاة واستأذنه في الأكل منها، فأذن له.
عن يزيد عمن سمع عقبة بن عامر أنه يقول: « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيا فاستأذنته أن نأكل من الصدقة، فأذن لنا» ([7]).
***
أما في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد كانت الزكاة محور الردة وأصلها. فقد امتنعت القبائل عن إعطاء الزكاة لخليفة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقادا أن دفعها خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولذا كانت وقفة الخليف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لوضع أمر هذه الفريضة في نصابه، وأهمية دفعها إلى ولي الأمر حتى لو أدى ذلك إلى قتالهم. وقال أبو بكر رضي الله عنه قولته المشهورة :
« والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال إلا بحقها فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتاتلتهم على منعه»([8]).
وبعد أن فرغ من حرب المرتدين، نشط أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إرسال المصدقين والسعاة لجمع الزكاة، فقد أرسل أنس بن مالك لما استخلف، بكتاب يحث أهل البحرين على إخراجها.
***
ولما تولى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الخلافة، اجتهد في إرسال المصدقين وجامعي الزكاة. فقد استعمل سفيان بن عبد الله وبعث أبا حثمة خارصا ومحمد بن مسلمة مصدقا ([9]) .
عن مالك -عن سفيان بن عبد الله- أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا فكان يعد على الناس بالسخل. فقالوا: أتعد علينا بالسخل؟ ولا تأخذ منه شيئا فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك. فقال عمر: «نعم تعد عليهم بالسخلة، يحملها الراعي، ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة، ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره»([10]).
وقد نتج عن الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة، بروز أنواع جديدة من الأموال لم تكن غالبة في أرض الجزيرة العربية، مما استدعي الحاجة إلى إعمال الفكر والاجتهاد فيها، وقد استمر جمع الزكاة وإرسال المصدقين في عهد الخلفاء عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وإن ترك عثمان بن عفان إخراج زكاة الأموال الباطنة إلى أربابها رفعا للمشقة عنهم وتوفيرا لنفقات جمعها. وهناك رآيا أخر بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن في ذلك إلا متابعا للرسول صلى الله عليه وسلم وخليفيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، والذين كانوا يجمعون الأموال الظاهرة والماشية ولم يكونوا يكرهون الناس على دفعها من الأموال الباطنة ([11]).
***
أما في العهد الأموي، فقد تضاءلت أهمية الزكاة وإيراداتها مقابل إيرادات الخراج الضخمة وغيرها من الإيرادات الأخرى وإن استمر الأمويون بفصل عميل ة جمع الزكاة عن عميلة جمع الخراج. كما استمر الخلفاء الأمويون في جمع الزكاة من الأموال الظاهرة فقط. كما أدى بذخ الخلفاء الأموين وكثرة صرفهم من بيت مال المسلمين، إلى شكوك بعض الناس حول صحة دفع الزكاة إليهم. ومن ذلك كثرة سؤال الصحابة كابن عمر والتابعين حول ذلك ([12]).
ومنها عن أنس بن سيرين قال:« كنت عند ابن عمر، فقال رجل أندفع صدقات أموالنا إلى عمالنا؟ فقال : نعم. فقال إن عمالنا كفار. قال : وكان زياد بن أبيه يستعمل الكفار. فقال ابن عمر : «لا تدفعوا صدقاتكم إلى الكفار» ([13]).
كما أن ابن عمر قال : ادفعوا الزكاة إلى الأمراء ، فقال له رجل : إنهم لا يضعونها مواضعها، فقال: «وإن». وقد قيل عن ابن عمر، إنه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان –إذا كان يضعها في غير مواضعها- وقال : «ضعوها في مواضعها» ([14]).
***
فلما جاء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، اهتم بجمع الزكاة وإنفاقها على منهجها الشرعي الصحيح. وقد ساعدت وفرة الأموال وحسن التوزيع على إغناء الفقراء من الزكاة. ويؤيد ذلك ما ذكر عن يحيى بن سعيد قال: «بعثني عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه- على صدقات أفريقيا فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيعا لهم فلم نجد بها فقيرا ولم نجد من يأخذها مني، فقد أغنى عمر عبد العزيز الناس، فأشتريت رقابا فأعتقتها وولاؤهم للمسلمين». وكانت ولايته سنتان ونصف وذلك ثلاثون شهرا([15]).
وكان من رأيه أن ليس في العسل زكاة. وذلك مما ورد عن نافع حيث قال: بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن، فأردت أن آخذ من العسل قال: فقال لي المغيرة بن حكيم: ليس فيه شيء، فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز قال: «صدق، وهو عدل رضي، وليس فيه شيء»([16]).
-والله أعلم بالصواب-
***


[1] - النسائي، سنن النسائي، رقم [2507]، باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة، ج5 ص49.
[2] - ابن حجر،فتح الباري، ج3، ص266.
[3] - البخاري،صحيح البخاري، رقم [1458]، كتاب: الزكاة، باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، ج2 ص119.
[4] - مسلم، صحيح مسلم، رقم [177]، باب:إرضاء الساعي ما لم يطلب حراما، ج2 ص757.
[5] - أبو عبيد،كتاب الأموال، ص 291.
[6] - أبو عبيد،كتاب الأموال، ص 586.
[7] - أبو عبيد،كتاب الأموال، ص 717.
[8] - البخاري،صحيح البخاري، رقم [1400]، كتاب : الزكاة، باب : وجوب الزكاة، ج 2 ص105.
[9]- أبو عبيد،كتاب الأموال، ص 552.
[10] - مالك، الموطأ، ج1 ص265.
[11] -د. فؤاد عمر، إدارة مؤسسة الزكاة في المجتمع المعاصرة، ص 15.
[12] -أبو عبيد، الأموال، ص 675-683.
[13]- أبو عبيد،كتاب الأموال، ص676.
[14] -أبو عبيد،كتاب الأموال، ص 679-680.
[15] - د. فؤاد عمر، إدارة مؤسسة الزكاة في المجتمع المعاصرة، ص 16.
[16] - مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ج4 ص60.
 
;