بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدنيا
والدين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما
بعد، فإن هذا بحيث يعبر عن ما يدور في ذهني حول الموضوع المطروح. وأحب أن أكتبه
تحت العنوان " مصير أحوال المذهب في عصر إمامي ابن حجر والرملي وما بعدهما".
وقد استفدت من عدة كتب، منها: الفوائد المدنية للإمام الكردي، ومطلب الإيقاظ لـلسيد
عبد الله بن حسين بلفقيه، والفوائد المكية للشيخ أحمد بن علوي بن عبد الرحمن
السقاف، والشافية:في بيان اصطلاحات الفقهاء الشافعية لـلسيد صالح بن أحمد العيدروس
والمدخل إلى مذهب الإمام الشافعي لدكتور أكرم القواسمي وغير ذلك. فقد قسمت على
عناوين صغرى كالتالي:
أولا:
استقرار المذهب على الرجوع إلى مصدرين في معتمده وتحقيقه.
أولهما ،إلى
الإمام ابن حجر الهيتمي وهو شهاب الدين أبو العباس أحمد الهيتمي المصري المكي المتوفى
سنة 974 هـ. وثانيهما، الإمام الرملي وهو شمس الدين محمد الرملي المصري المتوفى
سنة 1004 هـ. وذلك، حيث يصدر عنهما في المذهب ومعتمده عند المتأخرين كما قرره جماعة
ومنهم الكردي في الفوائد المدنية([1])
وغيرها. إلاّ أنّ ما يكون في كتب ابن حجر والرملي لا يخرج عن ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يتفقا على المذهب
في كتبهما فالمذهب ما قرّراه عند محققي المتأخرين، وبه قطع جمهورهم.
الحالة الثانية: أن يختلفا إلاّ في
شرح المنهاج، لكل منهما، فالمذهب على ما في شرح المنهاج لكل، وذلك، أن يعتمد الرملي
في شرح المنهاج ما اعتمده ابن حجر في شرحه للمنهاج مع وجود خلاف ما اعتمداه في كتب
أخرى لهما، وهذا هو الذي عليه محققو المتأخرين.
الحالة الثالثة: أن يختلفا في تقرير
معتمد المذهب بحيث لا يكون فواق ولا في شرحي المنهاج فهذه الحالة اختلف فيها المتأخرون
على ثلاث طرائق:
أما الأولى: فطريق أهل الشام واليمن وما وراء النهر، وهي اعتماد ما قرره ابن حجر الهيتمي،
والمعتمد من كتبه: تحفة المحتاج شرح المنهاج ([2])
.
وأما الثانية: فطريقة أهل مصر وهي اعتماد ما قرره
الرملي، والمعتمد من كتبه نهاية المحتاج شرح المنهاج ([3]).
وأما الثالثة: فطريقة أهل الحرمين: (الحجاز) وقد أخذت
صبغتين:
أما
الأولى: فاعتماد ما قرره ابن حجر الهيتمي المصري ثم المكي، وهو الأصل عندهم،
كذا قرره الكردي في الفوائد، وجماعة.
وأما
الثانية: فحكاية ما يقرره ابن حجر والرملي دون اعتماد قول أحدهما، ويجوز أخذ
قول أحدهما. كذا قرره الكردي في الفوائد في آخرين .
تنبيه:
مشهور طريقة المتأخرين وعليها الأكثر اعتماد قول الرملي وتقديمه على ابن حجر الهيتمي
ما لم يحكم بسهو الرملي من أصحاب الحواشي.
ثانيهما: ما
فات ابن حجر والرملي من مسائل فالمشهور وقطع به محققو المتأخرين قاله الكردي في الفوائد
أن المعتمد يكون وفق ما يلي:
أولا: يؤخذ بما اختاره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري
رحمه الله، والمقدم من كتبه شرح البهجة الصغير، ثم كتاب المنهج وشرحه له. الفوائد:
(ص: 38) وما بعدها.
ثانيا: ما اختاره الخطيب الشربيني في كتبه .
ثالثا: ما اختاره أصحاب الحواشي على شروح المنهاج
وغيرها بشرط عدم مخالفة شرحي المنهاج لابن حجر والرملي، وهم على الترتيب في التقديم
:
-
أولهم علي الزيادي
المتوفى سنة 1024 هـ
-
وثانيهم: أحمد بن قاسم
العبادي المتوفى سنة 994هـ.
-
وثالثهم الشهاب عميرة.
-
ورابعهم: الشبراملسي
تـ: 1087 هـ.
-
وخامسهم: علي الحلبي
المتوفى سنة 1044.
-
وسادسهم الشوبري.
تنبيه
جوز عامة المتأخرين لمن عنده قدرة على الترجيح الرجوع إلى ما قبل ابن حجر والرملي من
الاعتماد على الرافعي والنووي وأخذ معتمد المذهب منهما على ما سبق تقريره. قرره جماعة
ومنهم صاحب الفوائد. اهـ.
ثانيا:
استمرار الاشتغال بتحليل مصطلحات المذهب
لقد نبه صاحب كتاب "تبصرة المحتاج
بما خفي من مصطلح المنهاج" بأنّ ما قيل عن بعض العلماء : "أنّ مصطلحات
المذهب شيء جديد ابتكرها الإمام النووي"،ليس صحيحا. وذلك، لأن تلك الألفاظ
التي استظهرها النووي في منهاجه -وقد سمي بعد ذلك بمصطلحات المنهاج- موجودة في كتب
من سبقه من أئمة الشافعية كـ "المهذب" و"البيان" وهي أكثر
ظهورا في "نهاية المطلب" وفي كتب الغزالي وكتب الرافعي في كتابه
"فتح العزيز" وفي "المحرر" -أصل المنهاج-([5]).
وعلماء الشافعية كغيرهم من العلماء
استعملوا في مصنفاتهم مصطلحات خاصة بهم، أرادوا بها معاني محددة؛ وفقه هذه
المصطلحات مهم جدا لكل دارس للمذهب الشافعي؛ لأنه إذا لم يعرف المقصود من كل منها
لن يستطيع خلال قراءته في مصنفات الشافعية أن يفهم اجتهاداتهم وأدلتهم ويميّز
بينها على الوجه الذي قصدوه ولا أن يعرف الراجح من المرجوح أو المعتمد والمفتي به
من المتروك ونحو ذلك([6]).
فلذلك، استمرار اشتغال العلماء بتوضيح
مصطلحات المذهب وتحريرها واختلافهم فيها أمر واقع من عصر قبل إمامي ابن حجر
والرملي وما بعدهما.
ثالثا:
التنويع في مراتب العلماء
مراتب
العلماء ست :
-
أولا: مجتهد
مستقل، كالأربعة وأضرابهم
-
ثانيا: مجتهد مطلق
منتسب، كالمزني
-
ثالثا: أصحاب
الوجوه، كالقفال
-
رابعا: مجتهد
الفتوى، كالرافعي والنووي
-
خامسا: نظّار في
ترجيح ما اختلف فيه الشيخان، كالإسنوي وأضرابه.
-
سادسا: حملة فقه،
ومراتبهم مختلفة فيه، فالأعلون يلتحقون بأهل المرتبة الخامسة.
وقد نصوا على أن المراتب الأربع الأُول يجوز تقليدهم،
وأما الأخيرتان فالإجماع الفعلي من زمنهم إلى الآن على الأخذ بقولهم وترجيحاتهم في
المنقول حسب المعروف في كتبهم. ذكره في "مطلب الإيقاظ" ([7]).
رابعا:
خلاصة ترتيب المفتي به من أقوال متأخري علماء المذهب :
فقد ذكره الأستاذ السيد صالح بن أحمد بن سالم العيدروس
في كتابه "الشافية في بيان اصطلاحات الفقهاء الشافعية" ([8])
أنّ ترتيب المفتي به من أقوال متأخري علماء المذهب كالتالي:
1-
ما اتفق عليه
الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف ابن مرى النووي والإمام أبو القاسم عبد
الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني.
2-
ما قاله به الإمام
النووي حيث اختلفا ولم يوجد لهما مرجح أو رجحهما من بعدهما على السواء.
3-
المرجح من قولهما
على غيره.
4-
ما قاله به الإمام
الرافعي إذا سكت فيه الإمام النووي.
5-
ما جزم به الأكثر
إذا لم يجزما بشيء.
6-
ما جزم به الأعلم.
7-
ما جزم به الأورع.
8-
ما جزم به الإمام
أحمد بن حجر الهيتمي ثم المكي عند علماء الحجاز أو ما جزم به الإمام شمس الدين
محمد بن أحمد بن حمزة الرملي عند علماء المصر.
9-
ما قال به شيخ
الإسلام أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري إذا لم يتعرضا بشيء.
10-
ما قال به شمس
الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني.
11-
ما قال به نور
الدين علي بن يحيى الزيادي في حاشيته.
12-
ما قال به شهاب
الدين أحمد بن قاسم العبادي في حاشيته.
13-
ما قال به شهاب
الدين أحمد البرلسي المصري الملقب بـ عميرة.
14-
ما قال به نور
الدين أبو الضياء علي بن علي الشبراملسي في حاشيته.
15-
ما قال به شمس
الدين محمد بن أحمد الشوبري في حاشيته.
ﭽ والله أعلم بالصواب ﭼ