المقــــــــــدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنا . والصلاة والسلام على سيدنا محمّد القائل : (( إذا حكم الحاكم ، فاجتهد وأصاب ، فله أجران . وإذا حكم ، فاجتهد فأخطأ ، فله أجر واحد )) ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد ، فقال الله تعالى : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﭼ[المائدة : 3] وذلك يعني أن الله تبارك وتعالى قد أكمل دينه للأمة الإسلامية وأتم بذلك نعمته عليها . وإكمالُ الدين يعني استقلال الشريعة بأصولها وفروعها ، واستغناءَ المسلمين عن أن يسْتورِدوا أنظمةً من أيّ تشريع أرضيٍّ ، كما يعني الدوام والخلود لهذه الشريعة لتحكم في حياة الناس مادمت الحياة قائمةً . ومن أجل اتسمت به الشريعة الإسلامية من سمات أبرزها العموم والخلود ، كانت أحكامها شاملةً لكافة ميادين الحياة البشرية . والشمول لا يقصد به أنه قد نص على حكم كل واقعة مما يستجد ويستحدث من أمور مستقبلة ، وإنما هو أن الشريعة أتت بالمبادئ العامة والقواعد الأساسية والخطوط العريضة لتنْدرج تحتها كافة القضايا ، والأمور التي تتغيّر بتغير الأزمان والعادات والأعراف والبيئات .
ومن هنا كان منصب الاجتهاد في الشريعة فرضاً على الأمة ؛ لأنها بواسطته تسير في حياتها على شريعة الله ، وتحتكم إليه . ولهذا ، فقد اهتمّ الأصوليون بالاجتهاد باعتباره مظهر أحكام الله تعالى في الوقائع التي لم يرد نص صريح . يُضاف إلى هذا ، أن الوقت المعاصر - بما فيه وقائع جديدة وحوادث مختلفة ومشكلات كثيرة - يحتاج إلى اجتهاد المجتهدين ، وفكر الباحثين المؤمنين ، ونظر العاملين المخلصين المعتصمين بكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسول الله ﷺ . وهؤلاء جميعا لا يبْنون على غير أساس ، ولا يشيدون على غير قواعد راسية ، ولا يفتون دون اعتماد على نص صريح مؤيّد بتشريع عمليّ ممن بلغ الأمانة ، وأدّى الرسالة وشقّ الطريق وأنار السبيل وبثّ في الأمة حب التحاكم إلى كتاب الله وسنة الرسول ﷺ .
التمهيــــــــــــد
سبب اختيار هذا الموضوع
لا شك ولا ريب ، أن الاجتهاد أمر ضروري . ولابد على كل مسلم أن يعرف الأحكام الشرعية . ومعرفة ما يتعلق بها أمر ضروريّ أيضا ؛ لكي يعرف كيفية الاستدلال بها . والاجتهاد هو أساس الطريق في مباني هذه الأحكام إذا لم يوجد فيها نصٌّ صريحٌ خاصةً . فلأجل ذلك ، أقوم بهذا الجهد بعبارة مختصرة ، ومعلومة محدودة ، موضّحا على القارئ فيما يتعلق بالاجتهاد في عصرنا الحاضر .
أهداف البحث
نهدف بهذا البحث إلى تضميم الأمور المتعلقة بكيفية الاجتهاد المعاصر ، وجمع أنواع أفكار العلماء في عصرنا هذا ؛ لكي نعرف مناهجهم في البحث بالنصوص المتعلقة بالأحكام على النوازل المعاصرة خاصةً ، وتسهيلًا على المبتدئين مثلي في استعداده بالتبحّر على الجهد بالاجتهاد .
مشكلة البحث
1. ظهور المسائل التي لم توجد عليها الأحكام بالنص في النوازل المعاصرة .
2. أوهم الناس على أن الاجتهاد شيء مخيف .
3. إبعادهم عن النظر والتدبّر في الأحكام الشرعيّة بسبب ذلك التوهّم .
أهمية البحث
ومن أهمية هذا البحث ، معرفة الأشياء المتعلقة بالاجتهاد –خاصة في الوقت الحاضر - من معرفة معناه ، ومَنْ هو المجتهد ، وعدد شروطه ؛ لكي نعرفه بالوضوح ونُطبِّقه في حياتنا ؛ لأن الاجتهاد أمر مهم في الدين ، فلا شك أن دراسته أمر مهم أيضا بقطع النظر عن تغير الزمان والمكان . فكما عرفنا بأن الأحكام الشرعيّة ليست كلها واضحةً ، بل يوجد في بعض الأحكام ما يحتاج إلى جهد المسلمين بأن يستنبطوا من نصوصه بأدلة أخرى حتى تصير واضحة بينهم ، ولا شك بعمل ذاك الاجتهاد .
مناهج البحث
ينحصر هذا البحث على طريقة التي نسلكها حسبَ معرفتنا عن مناهج البحث العلمي المعتبَرة خلال دراستنا في الكليّة . نستطع أن أحدِّد خطوات المنهج في النقاط التالية :
1. تحديد المصادر وجمع المادة :
أعني جمع النصوص والأقوال اللازمة لهذا البحث من مصادر القديمة والحديثة ، وخصوصا من القرآن الكريم والحديث النبوي اللذان هما أساسان من ظهور تلك الأقوال .
وسنفصّلها بصورة واضحة من كتب التفسير التي نعتمدها في تأويل الآيات ، وكتب الحديث ؛ متونه وروايته ، وكتب الأصولي من العلماء المتقدمين كالإمام الغزالي (505هـ) ، والمتأخرين كالإمام الشاطبي (790هـ) والإمام الشوكاني (1250هـ) ، والمعاصرين كالدكتور محمد سعيد البوطي ود/عبد الكريم زيدان ، وكتب البحوث الحديثية مثل ((اجتهاد الرسول)) للدكتور نادية شريف العمري ، وكتب مساعدة ككتب اللغة والتاريخ والفقه .
وما نقلتُه من هذه الكتب قد سجّلت في أسفل الصفحة عنوان الكتاب المنقول منه ، ورقم الصفحة ، واسم المؤلف . وفي آخرها عدد من أهم المراجع في هذا البحث منـ : اسم المطبعة ، ومكانها ، وسنة الطباعة .
2. تقسيم البحث وترتيب فصولها :
فيحتوي هذا البحث على خمسة فصول وهي :
الفصل الأول : كلمة الاجتهاد والمعاصر .
يبحث عن معنى الاجتهاد لغةً واصطلاحاً وعلاقتهما وما يقتضي بهذين المعنيَين .
الفصل الثاني : الاجتهاد تحت ضوء القرآن والسنة .
يبين عن بعض الأدلة القرآنية والسنية التي يُستنبط بهما على حكم الاجتهاد .
الفصل الثالث : المهمات حول المجتهد .
ثم يشرع في هذا الفصل على شخصيّة المجتهد و شروطه و تطوراته من عصر إلى عصر .
الفصل الرابع : آلات ومجالّ الاجتهاد .
يبحث عن أنواع أدلة الأحكام التي هي آلة الاجتهاد وتقسيمِها بحسب اتفاقها واختلافها . وفيه ، ذكرنا مجالّ الاجتهاد ومتى تصلح الأحكام بالاجتهاد . وفيه أيضا ، المقابلة والمقارنة بين المتقدمين والمعاصرين في التعامل مع النصوص الشرعيّة .
الفصل الخامس : أهمية الاجتهاد في عصر الحديث .
في هذا المكان ، يحاول البيان عن مدى حاجة الأمة إلى الاجتهاد وأسباب استعماله في الوقت الحاضر .
0 comments:
Posting Komentar