أ. كلمة الاجتهاد :
الاجتهاد في اللغة : مأخوذ من الجَهْد بفتح الجيم وضمها وهو الطاقة والمشقّة([1]) ، فيختص بما فيه مشقة ؛ ليخرج عنه ما لا مشقة فيه . تقول : أجتهد في حمل الحجر ، ولا تقول : أجتهد في حمل الريشة . وقد يطلق لغةً أيضا على استفراغ الوسع في تحصيل الشيء([2]) . فالاجتهاد في علوم الدين ليس مجرد دراسة في أوقات الفراغ أو لقضاء الوقت في المجالس أو للحصول على شهادة ، ولكنه أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة بحيث يجتهد الطالب نفسه أو يبلغ جهده في الطلب . فمن فعل ذلك فهو مجتهد من جهة اللغة . ولكن جرى اصطلاح الفقهاء والأصوليين على أنّ المجتهد هو من تجاوز المراحل الأولى من الاجتهاد بمعنى العام في اللغة ووصل إلى مرتبة في العلم تمكّنه من استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويكون قادراً على استعمال آلات الاجتهاد .
والاجتهاد عند اصطلاح الأصوليين : بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط([3]) . ومن هذا التعريف الاصطلاحي للاجتهاد ، يتبين أربعة أشياء :
1. أن يبذل المجتهد وسعه ، أي : يستفرغ غاية جهده بحيث يحسّ من نفسه من العجز عن المزيد عليه .
2. أن يكون الباذل جهده مجتهداً ، أما غيره فلا عبرةَ بما يبذله من جهد ؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد . وإنما يكون مقبولاً إذا صدر من أهله .
3. أن يكون هذا الجهد لغرض التعرف على الأحكام الشرعية العلمية دون غيرها ، فلا يكون الجهد المبذول للتعرف على الأحكام اللغوية أو العقلية أو الحسية من نوع الاجتهاد الاصطلاحي عند الأصوليين .
4. يشترط في التعرف على الأحكام الشرعية أن يكون بطريق الاستنباط ، أي : نيلها واستفادتها من أدلتها بالنظر والبحث فيها . فيخرج بهذا القيد حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي أو بإدراكها من كتب العلم ، فلا يسمى شيء من ذلك اجتهاداً في الاصطلاحي([4]) .
ب. العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي :
بعد أن نعرف الحد اللغوي والاصطلاحي للاجتهاد ، يقول الدكتور نادية شريف العمري : (( إن المعنى الاصطلاحي لم يبتعد عن المعنى اللغوي ، كما هو واضح من ذكر التعريفين ، فالتوافق ظاهر ، ونقطة الالتقاء بينهما واضحة ، وهي المبالغة في كلا الاستعمالين ويمكننا أن نقول : إن بين المعنيين عموم وخصوص مطلق ، أما استعمالها في الاصطلاح الأصولي فهو مختص ببذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي . وهذا هو الشأن في علاقة التعريف اللغوي بالتعريف الاصطلاحي غالباً))([5]) .
ج. كلمة المعاصر :
والمعاصر أصله عَصْرٌ مثلّث و بضمتين : الدهر بمعنى اليوم([6]) . والمعاصر : هو الذي يكون معك في عصر واحد ، أو في العصر الحاضر([7]) . ويستعمل أحيانا لفظ الحديث مكان المعاصر . ويطلق في لغة معجم الفقهاء هو الزمن المنسوب لشخص : كعصر النبي ﷺ ، أو المنسوب لدولة : كعصر الأموِيّين ، أو المنسوب لتطوّرات الطبيْعيّة أو اجتماعية : كعصر الذرَّة أو عصر الكمبيوتر ، أو المنسوب إلى الوقت الحاضر : كالعصر الحديث([8]) . والمراد بالاجتهاد المعاصر في هذا البحث هو : بذل الوسع في تحصيل حكم شرعي من المسائل الواقعة في عصرنا الحالي ؛ بناءً على عدم النص الصريح بطريق الاستنباط . فقد ظهر في هذا العصر كثير من الوقائع المستجدات والحوادث المختلفة بتطور الزمان وتغير المجتمع في البلاد الإسلامية كلها .