Kamis, 20 Desember 2012 0 comments

الفــرق الإســلامية الـتي عاصـرت ورأي الـشافــعي فيهم



بسم الله الرحمن الرحيم
الفــرق الإســلامية الـتي عاصـرت ورأي الـشافــعي فيهم


التقى الإمام الشافعي بآحاد من المنتمين للفرق الإسلامية وهي :
1.  الشيعة : هي أقدم الفرق الإسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم السياسي في آخر عصر عثمان رضي الله عنه، ونما وترعرع في عهد علي رضي الله عنه. وبعض فرقهم المشهورة منها :
أ‌.   السبئية : هم أتباع عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا من أهل الحيرة، أظهر الإسلام، وأمه أمة سوداء، ولذلك يقال له ابن السوداء، وقد كان من أشد الدعاة ضد عثمان، وقد تدرج في نشر أفكاره ومفاسده بين المسلمين وأكثرها موضوعة على علي رضي الله عنه.
ب‌. الكيسانية : هم أتباع المختار بن عبيد الثقفي. وقد كان خارجيا ثم صار من شيعة على رضي الله عنه. وعقيدة الكيسانية لاتقوم على ألوهية الأئمة كالسبئية الذين يعتقدون حلول الجزء الإلهي في الإنسان، بل تقوم على أساس أن الإمام شخص مقدس، ويبذلون له الطاعة، وثقون بعلمه ثقة بعلمه ثقة مطلقة ويعتقدون فيه العصمة عن الخطاء لأنه رمز للعلم الإلهي. ويدينون الكيسانية كالسبئية برجعة الإمام وهو بنظرهم بعد علي والحسن والحسين ومحمد بن حنفية.
ت‌. الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه. هذه الفرقة هي أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية، وهي لم تغل في معتقداتها، ولم يكفر الأكثرون منها أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولين، ولم ترفع الأئمةإلى مرتبة الإله، ولا إلى مرتبة النبيين.  وقوام هذا المذهب أن الإما منصوص عليه بالوصف لا بالإسم وهي فاطميا ورعا عالما سخيا يخرج داعيا الناس لنفسه
ث‌. الإمامية  : هم القائلون بأن إمامة علي ثبتت بالنص عليه بالذات من النبي صلى الله عليه وسلم نصا ظاهرا ويقينا صادقا من غير تعريض بالوصف، بل إشارة بالعين، وعلي نص على من بعده وهكذا كل إمام، قالوا وما كان في الدين أمر أهم من تعيين الإمام حتى تكون مفارقته على فراغ قلب من الأمة ويتركها هملا.
ج‌.  الإثنا عشرية والإسماعيلية : الأولون الذين يرون أن الخلافة بعد الحسين لعلي زين العابدين ثم الباقر بن زين العابدين ثم لجعفر الصادق بن محمد الباقر ثم لابنه موسى الكاظم ثم لعلي الرضا ثم لمحمد الجواد ثم لعلي الهادي ثم للحسن العسكري ثم لمحمد ابنه وهو الإمام الثاني عشر.
2.  الخوارج : وسموا بالحرورة نسبة إلى حروراء التي خرجوا إليها. فالخوارج مذهب سياسي في الأصل غير أنه لما كانت السلطتان الدينية والدنيوية ممتزجين في الإسلام وهما معا عنصر الإمامة فإن للخوارج وجهة نظر في الأمور الدينية أيضا. عرض الخوارج رئاستهم على عبد الله بن وهب الراسبي، فبايعوه وسموه أمير المؤمنين.
3.  المعتزلة : ليس أحد يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة : التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس فهو معتزلي. وهذه هي الأصول الجامعة لمذهب المعتزلة. وأفتى الإمام محمد بن الحسن الشيباني بأن من صلى خلف المعتزلة يعيد صلاته، والإمام أبو يوسف عدهم من الزنادقة، والإمام مالك لم يقبل الشهادة من أحدهم.
رأي الشافعي في علم الكلام ونهيه عن الاشتغال فيه
قال الشافعي : " إياكم والنظر في الكلام، فإن الرجل لو سئل عن مسألة في الفقه وأخطأ فيها كان أكثر شيء أن يضحك منه، كما لو سئل عن رجل قتل رجلا، فقال ديته بيضة، ولو سئل عن مسألة في الكلام فأخطأ نسب إلى البدعة ". وكان يقول : " رأيت أهل الكلام يكفر بعضهم بعضا، ورأيت أهل الحديث يخطئ بعضهم بعضا، والتخظئة أهون من الكفر" .
ولكن هل كان الشافعي مع نهيه عن علم الكلام على جهل به؟ فقد روي عن المزني أنه قال : "كنا على باب الشافعي رحمه الله نتناظر في الكلام فخرج الشافعي إلينا، فسمع بعض ما كنا فيه، فرجع عنا، ثم خرج إلينا وقال، ما منعني عن الخروج إليكم
0 comments

الاجتهاد من عصر إلى عصر [ عصر الرسالة – عصر الصحابة – عصر التابعين ]



بسم الله الرحمن الرحيم
الاجتهاد من عصر إلى عصر
[ عصر الرسالة عصر الصحابة عصر التابعين ]



‌أ.     كلمة الاجتهاد  :
      الاجتهاد في اللغة  : مأخوذ من الجَهْد بفتح الجيم وضمها وهو الطاقة والمشقّة([1]) ، فيختص بما فيه مشقة ؛ ليخرج عنه ما لا مشقة فيه . تقول  : أجتهد في حمل الحجر ، ولا تقول  : أجتهد في حمل الريشة . وقد يطلق لغةً أيضا على استفراغ الوسع في تحصيل الشيء([2]) . فالاجتهاد في علوم الدين ليس مجرد دراسة في أوقات الفراغ أو لقضاء الوقت في المجالس أو للحصول على شهادة ، ولكنه أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة بحيث يجتهد الطالب نفسه أو يبلغ جهده في الطلب . فمن فعل ذلك فهو مجتهد من جهة اللغة . ولكن جرى اصطلاح الفقهاء والأصوليين على أنّ المجتهد هو من تجاوز المراحل الأولى من الاجتهاد بمعنى العام في اللغة ووصل إلى مرتبة في العلم تمكّنه من استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويكون قادراً على استعمال آلات الاجتهاد . 
      والاجتهاد عند اصطلاح الأصوليين  : بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط([3]) . ومن هذا التعريف الاصطلاحي للاجتهاد، يتبين أربعة أشياء :
1.     أن يبذل المجتهد وسعه ، أي  : يستفرغ غاية جهده بحيث يحسّ من نفسه من العجز عن المزيد عليه .
2.     أن يكون الباذل جهده مجتهداً ، أما غيره فلا عبرةَ بما يبذله من جهد ؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد . وإنما يكون مقبولاً إذا صدر من أهله .
3.     أن يكون هذا الجهد لغرض التعرف على الأحكام الشرعية العلمية دون غيرها ، فلا يكون الجهد المبذول للتعرف على الأحكام اللغوية أو العقلية أو الحسية من نوع الاجتهاد الاصطلاحي عند الأصوليين .
4.     يشترط في التعرف على الأحكام الشرعية أن يكون بطريق الاستنباط ، أي  : نيلها واستفادتها من أدلتها بالنظر والبحث فيها . فيخرج بهذا القيد حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي أو بإدراكها من كتب العلم ، فلا يسمى شيء من ذلك اجتهاداً في الاصطلاحي([4]) .
ب‌. العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي :
بعد أن نعرف الحد اللغوي والاصطلاحي للاجتهاد، يقول الدكتور نادية شريف العمري  : (( إن المعنى الاصطلاحي لم يبتعد عن المعنى اللغوي ، كما هو واضح من ذكر التعريفين ، فالتوافق ظاهر ، ونقطة الالتقاء بينهما واضحة ، وهي المبالغة في كلا الاستعمالين ويمكننا أن نقول : إن بين المعنيين عموم وخصوص مطلق ، أما استعمالها في الاصطلاح الأصولي فهو مختص ببذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي . وهذا هو الشأن في علاقة التعريف اللغوي بالتعريف الاصطلاحي غالباً))([5]) .
‌ج. الاجتهاد من عصر إلى عصر  :
·  اجتهاد الرسول
فقد اختلف العلماء في وقوع الاجتهاد من رسول الله  ﷺ حيث ذهب بعضهم إلى عدم وقوعه ؛ لقوله تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا مايوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)  [يونس  : ١٥] وقوله تعالى : (إن هي إلا وحي يوحى)  [النجم  : 4] . وقال بعض آخر : إنه كان يجتهد
1 comments

أثار الفقهاء في المذهب الحنفي بحثا حول القرآن في مسألة : هل القرآن مجموع النظم والمعنى أم هو المعنى فقط ؟ أثار الفقهاء في المذهب الحنفي بحثا حول القرآن في مسألة : هل القرآن مجموع النظم والمعنى أم هو المعنى فقط ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
أثار الفقهاء في المذهب الحنفي بحثا حول القرآن
في مسألة : هل القرآن مجموع النظم والمعنى أم هو المعنى فقط ؟


أ‌.        آراء العلماء في المذهب عن القرآن
يرى الجمهور بأن القرآن هو النظم والمعنى. وقولهم النظم، لأن القرآن عبارة عن الكلمات المترتبة بترتيب الخاص، فلو غير ذلك الترتيب بتقديم وتأخير ما بقي القرآن قرآنا.
لكنه لم يوجد نص الإمام نفسه الذي صرح به رأي الجمهور، بل يوجد هناك فرع يؤدي تخريجه إلى احتمال وجود رأي آخر الذي يوجهه إلى أن القرآن هو المعنى فقظ . فلذلك نريد أن نعرف رأي أبي حنيفة في هذه المسألة أهو يرى أن القرآن هوالمعنى فقط أم هو النظم والمعنى كما يرى الجمهور؟ ولماذا يأتي هذا الاحتمال ؟
ابتداءً، قبل أن نعرف رأي الإمام في القرآن، لابد أن نبحث ذلك الفرع الذي حكمه الإمام في المسألة، وسنذكره مرتبا كالتالي:
1.     قول الإمام أبي حنيفة فيمن إذا قرأ في صلاته بالفارسية
ذكر الإمام السرخسي في شرح المبسوط حيث قال : "إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ويكره، وعندهما أي أبو يوسف ومحمد بن حسن لا يجوز إذا كان يحسن العربية وإذا كان لا يحسنها يجوز وعند الشافعي رضي الله عنه لا تجوز القراءة بالفارسية بحال، ولكنه إن كان لا يحسن العربية وهو أمي يصلي بغير قراءة[1]". ومعنى هذه العبارة أن قراءة القرآن في الصلاة بالفارسية تجزئ سواء أكان عاجزا عن القراءة العربية أم غير عاجز  لكنه يكره عند عدم العجز.
لكن قيد العلماء بالاتفاق ذلك الجواز بأن تكون الآية غير مؤولة، ولا محتملة لعدة معان، فإن كانت كذلك لم تجزئ قراءتها عند الكل؛ لأن ذلك تفسيرللقرآن وليس بمعنى القرآن المنعين، فلا يجزئ في الصلاة. وقد قال الكاساني في البدائع :"ثم عند أبي حنفية رحمه الله تعالى إنما يجوز إذا قرأ بالفارسية إذا كان يتيقن بأنه معنى العربية، فأما إذا صلى بتفسير القرآن لايجوز؛ لأنه غير مقطوع به"[2].
2.     قول الإمام أبي حنيفة فيما إذا تلا السجدة بالفارسية.
بناء على جواز القراءة بالفارسية، فيلزم لمن تلا السجدة بالعربية أو بالفارسية أن يسجد سجدة التلاوة وكذا لمن يسمعها كما أنه يلزم إذا تلاها بالعربية . قال علاء الدين الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع" :" ... بين ما إذا تلا السجدة بالعربية أو بالفارسية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى قال أبوحنيفة : يلزمه السجود في الحالين وإن سمعها ممن يقرأ بالفارسية فكذلك عند أبي حنيفة بناء على أصله أن القراءة بالفارسية جائزة"[3].
3.     حكم قراءة القرآن من الجنب والحائض والنفساء بغير العربية عند الحنفية ومس المصحف المترجم إلى غير العبية.
وقد خرج بعض العلماء على رأي أبي حنيفة هذا في جواز القراءة بغير العربية حرمة قراءة القرآن من الجنب والحائض والنفساء بغير العربية. وكذلك حكم مس المصحف المترجم إلى غير العربية من غير المتوضىء أنه يحرم. ولكن الذي اختاره شيخ الإسلام جواهر زاده، ومعه جمع من المشايخ، واستحسنه الأكثرون هو أن جواز القراءة بغير العربية رخصة خاصة بالصلاة لاتعدوها عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعلى ذلك، لا يعطى المعنى حكم القرآن في حق المس والقراءة ممن لاتجوز منه القراءة. فقد نص الشيخ بقوله "في حق جواز الصلوة خاصة"[4] ، معناه أنه لايلزم عليه وجوب سجدة التلاوة بالقراءة بالفارسية وحرمة مس مصحف كتب بالفارسية على غير المتطهر وحرمة القراءة بالفارسية على الجنب والحائض.

استدلال أبي حنيفة في المسألة
استدل أبو حنيفة رحمه الله بما روى أن الفارس كتبوا إلى سلمان رضي الله عنه أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية.  فالواجب عليه قراءة المعجزة. والإعجاز في المعنى. فإن القرآن حجة على الناس كافة وعجز الفرس عن الإتيان بمثله إنما يظهر بلسانهم. والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ولا محدث واللغات كلها محدثة، فعرفنا أنه لا يجوز أن يقال أنه قرآن بلسان مخصوص كيف وقد قال تعالى : ( وأنه لفي زبر الأولين ) وقد كان بلسانهم. ولو آمن بالفارسية كان مؤمنا[5] .  يقول الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" بعد أن يذكر قول الإمام الشافعي القائل بأنه لم يجز القراءة في الصلاة بغير العربية مطلقا : "وأبو حنيفة يقول إن الواجب في الصلاة قراءة القرآن من حيث هو لفظ دال على كلام الله تعالى الذي هو صفة قائمة به لما يتضمن من العبر والمواعظ والترغيب والترهيب والثناء والتعظيم، لا من حيث هو لفظ عربي، ومعنى الدلالة عليه لايختلف بين لفظ ولفظ، قال تعالى : (وإنه لفي زبر الأولين)[6]".

ج‌.    رواية رجوع الإمام عن القول في المسألة
نص ابن ملك شارح المنار بقوله : "والأصح أنه رجع عن هذا القول كما روي نوح بن مريم هكذا[7]" لأنه يلزم منه أحد الأمرين إما بطلان تعريف القرآن؛ لأن الفارسية غير مكتوبة في المصاحف أو جواز الصلاة بدون القرأن لأنه اسم للنظم والمعنى. وكذلك قال فخر الإسلام البزدوي في كشف الأسرار ما نصه: "وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة عندنا أي المختار عندي أنّ مذهبه مثل مذهب العامة في أنه اسم للنظم والمعنى جميعا"[8]. كما قال ابن نجيم أيضا :"فالأصح رجوع الإمام عنه إلى قولهما إنه لا تجوز القراءة بغير العربي فيها للقادر"[9]  .
د‌.       مسلك البزدوي ومسلك السرخسي
فكلام السرخسي صريح يؤدي في نتائجه إلى الحكم لا محالة بأن رأى أبي حنيفة أن القرآن معنى فقط، وليس اللفظ جزءا من مدلوله؛ لأن الألفاظ محدثة والمعاني قديمة والقرآن قديم فالقرآن هو المعاني، ولأن الإعجاز في المعنى ولأن بعض القرآن كان في زبر الأولين، ولا شك أن الذي كان هو المعنى لا اللفظ، فالمعنى هو القرآن وعلى هذا يكون السرخسي ممن يحكمون بأن أبا حنيفة يرى أن القرآن هو المعنى فقط، وأنه ليس مجموع النظم والمعنى.
ومسلك فخر الإسلام البزدوي أنه قال أن رأي أبي حنيفة في القرآن هو اسم للنظم والمعنى جميعا. ويؤيد ذلك رد الشيخ على العلماء الذين
0 comments

أحكام السماعي


بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام السماعي

أ‌.       تعريف السماعي
لغة ما نسب إلى السَّماع.
وأما تعريفه اصطلاحا فهو مالم تذكر فيه قاعدة كلية مشتمل على جزئياتها.
ب‌.   مبدأ السماعي
أن اللغة لا تثبت قياسا ولا يجري القياس فيها.  ولكن اختلفوا في الأسماء المشتقة من المعاني، كما يقال في الخمر إنه مشتق من المخامرة أو التخمير، هل  يجري القياس فيه أم لا؟ ومن قال أن للغة العرب قياسا، وأنه تشتق بعض الكلام من بعض، مبنيٌ على قولهم بأن اللغة توقيفي. مثل "الجن" مشتق من الاجتنان، وأن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر. كقول العرب للدرع جُنّة، وأجنّة الليل، وهذا جنين أي في بطن أمه أو مقبور. فإن الذي وقف على أن الاجتنان التستر هو الذي وقفنا على أن الجن مشتق منه.
والطريقة إلى معرفة اللغة هي إما النقل المحض كأكثر اللغة أو استنباط العقل من النقل. والنقل إما متواتر أو آحاد. وشروط التزام اللغة خمسة :
أحدها  : ثبوت ذلك عن العرب بسند صحيح يوجب العمل.
الثاني  : عدالة الناقلين وهما أهل الأمانة والثقة والصدق كما تعتبر في الشرعيات.
الثالث  : كون النقل عمن قوله حجة في أصول اللغة.
الرابع  : كون النقل قد سمع منهم حسا.
الخامس        : أن يسمع من الناقل حسا.

ت‌.   أحوال السماعي
كما عرفنا، أنّ السماعي هو الذي لا يضبطه قياس ولا تحصره قاعدة. فلذلك، موضوع السماعي مذكور في كل أبواب النحو والصرف مفترقاً ويصعب أن يجمع في مبحث واحد بشرح مبين وواضح مشتمل على جميع أحكامه وأنواعه. لأنه لم يوجد في كل باب من أبواب النحو أو الصرف قاعدة إلا ومعها مخرجات عن  تلك القاعدة فيدخله إلى قضية السماعي أو الناذر أو الشاذ أو ما في معناه.
قبل أن نبحث عن أبوال السماعي وما فيه، ينبغي أن نعرف مصطلحات اللغة كحوشي والغرائب والشواذ والنوادر. أمّا الحوشي، فقال في الصحاح : حوشي الكلام وحشية وغريبة([1]). وقال ابن رشيق في العمدة : الوحشي من الكلام ما نفر عن السمع. وإذا كانت اللفظة حسنة مستغربة لايعلمها إلا العالم المبرّز، والأعرابي القح فتلك وحشية([2]).
وأماالغرائب فجمع غريبة، وهي بمعنى الحوشيّ. والشوارد جمع شادرة وهي أيضا بمعناها. وأماالنوادر فجمع نادرة، قال في الصحاح : نذر الشيء بندر ندروا : سقط وشذّ ومنه النوادر([3]). وشذّ وهو انفراد عن الجمهور. فليعلم أنّ الكلام من حيث الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب :
1-   مطرد في القياس والاستعمال جميعا
2-   مطرد في القياس شاذ في الاستعمال
3-   المطرد في الاستعمال الشاذ في القياس
4-   الشاذ في القياس والاستعمال جميعا
وأن الكلام إذا اطرد في الاستعمال، وشذ في القياس- وهو الضرب الثالث – فلابد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه، لكنه لايُتّخذ أصلا يقاس عليه غيرُه. مثلا إذا سمعت "استَحْوَذ" و "استَصْوَب" فأدّيتهما بحالهما ولم يتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما. فلا تقول "استقَام" "استقْوَم" ولا في "استَبَاع" "استبْيَع"  ولا في "أعاد" "أعْوَد" قياسًا على قولهم : "أخْوَض الرمث" فإن كان الشيء شاذًا في السماع مطردًا في القياس- وهو الضرب الثاني – تحاميت ما تمحامت العرب من ذلك، وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله.

ث‌.   أبواب السماعي :
1.    مصدر الثلاثي السماعي
فعل الماضي فعَل بفتح العين وفعِل بكسرها المتعديان فقياس مصدرهما فعْل. وأما فعِل بكسر العين القاصر، فمصدره القياسي فَعَل يفتتحين. وأما فَعَل بالفتح اللازم فقياس مصدره فعُول بضم الفاء. وأما فعُل بضم العين فقياس مصدره: فُعولة بالضم، وفَعالة بالفتح. وما جاء مخالفا لما تقدم فليس بقياسى؛ وإنما هو سماعى، يحفظ ولا يقاس عليه.
فمن الأول فعل الماضي على وزن فعَل بفتح العين المتعدي مثاله : طَلَبَ مصدره طَلَبًا، ونَبَت مصدره نَبَاتًا. فمن الثاني فعل الماضي على وزن فعِل بكسرالعين المتعدي مثاله : لَعِب مصدره لعبًا، كَرِه مصدره كَرَاهِية، قَبِل مصدره قَبُولا. فمن الثالث فعل الماضي على وزن فعِل بالكسر القاصر مثاله : كرُم مصدره كرما، وعظُم مصدره عِظَماً، و مجُد مصدره مُجدا.
نقل ابن الحاجب مذهب الفراء في قياس المصدر من الثلاثي إذا لم يسمع حيث قال الفراء:"إذا جاءك فَعَل مما لم يسمع مصدره فاجعله فَعْلا للحجاز وفُعُولا لنجد ونحو هُدىً وقِرىً مختص بالمنقوص طَلَبا مختص إلا جلب الجرح والغلب"([4]). واعترض الاستربذي حيث قال :"هذا هو قوله، والمشهور ما قدمنا، وهو أن مصدر المتعدي فَعْلٌ مطلقا، إذا لم يسمع، وأما مصدر اللازم فَعُول من فَعَل المفتوح العين وفَعَل من فَعِل المكسور وفَعَالة من فَعُل؛لأنه الأغلب في السماع فيرد غير المسموع إلى الغالب"([5]).
2.    وزن أفعل
يقال أن دخول الهمزة التعدية قياسي في اللازم دون المتعدي وقيل: المتعدي إلى واحد قياسي أيضا. وظاهر مذهب سيبويه -كما قد ذكره ذلك ابن هشام في المغني-أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره([6]).
3.    الفعل المضارع وأبوابه
وفي الأفعال ما يلزم مضارعه في الاستعمال إمّا الضم وإمّا الكسر، وذلك إمّا سماعي أو قياسي، فالسّماعي الضم في قتَل يَقْتُلُ، ونصرَ يَنْصُرُ، وخرجَ يخرُجُ، مما يكثر، والكسر في ضَرَب يضرِبُ، ويعتِب، وغير ذلك مما لا يحصى.
4.    المقصور والممدود
المقصور هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة. وأما الممدود فهو الاسم الذي آخره همزة تلى ألفا زائدة. فالمقصور والممدود ينقسمان على القياسي والسماعي فأما السماعي فضابطهما : أن ما ليس له نظير اطرد فتح ما قبل آخره، فقصره موقوف على السماع، وما ليس له نظير اطرد زيادة ألف قبل آخره فمده مقصور على السماع. مثاله، الفتى والحجا والثرى والسنا. ومن الممدود الفتاء والسناء والثراء.
فنظير ما في المقصور القياسي هو كل اسم معتل، ملتزم فتح ما قبل آخره. فنظير ما في الممدود القياسي، هو كل اسم معتل ملتزم زيادة ألف قبل آخره.
5.    المثنى على التغليب (الملحق بالمثنى)
فتقول في أبو بكر وعمر العُمَران و في الشمس والقمر القَمَران، فإنك تعطف فيهما مِثْلاً بل غَيْرًا، وهو من باب التغليب. وهو باب معروف في اللغة، يُغلَّب فيه اسم على اسم فتارة ًيغلب الأشرف وتارةً يغلب الأخف على الأثقل وتارةً يغلب المذكر على المؤنث وهو سماعي يحفظ ولا يقاس عليه.
6.       الابتداء بساكن في الأسماء العشرة
فليعلم أنه لا يبتدأ
0 comments

تفسير بلاغي في سورة المسد


ا


بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير بلاغي في سورة المسد
( تبت يدا أبي لهب وتب () ما أغنى عنه ماله وما كسب () سيصلى نارا ذات لهب () وامرأته حمالة الحطب () في جيدها حبل من مسد () ) [ المسد:1-5]

( تبت يدا أبي لهب وتب ())
سماه القرآن بكنيته دون اسمه؛لأن في اسمه عبادة العزّى ولا يقرّون القرآن ذلك. وكنّى بأبي لهب كنايةً عن كونه جهْنميّا؛ لأنّ اللهب ألسنة النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان. وفي هذه الكنية ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار. فبهذا كانت الكناية هي الكناية عن الصفة. لكون الكناية مقولة من الوصف، كشجاع وجواد وحسن. واسمه الأصلي عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم-. وغرض تسميته بذلك كان تحقيرا له.
وكلمة  ﭽ إما أن نؤولها على حقيقتها وإما أن نؤولها على ما تأثر اليد إليه وكان من أثراليد هو العمل. فبهذا ،كانت اليد مجازا عن العمل، وعلاقته الآلية. وذلك إطلاق اليد ويراد بها الأثر الذي ينتج عنها وهو العمل. وإسناد التّب إلى اليدين لما رُوي من أنّ أبا لهب لماّ قال للنبي: "تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟" أخذ بيده حجراً ليرميه به.
وقد قيل أن اليد استعارة، وليس التب إلى يداه فقط أو إلى عمله فقط، بل هو نفسه والمراد به تب هو. بدليل أن الآية بعدها تبين لنا أن الله تعالى سيغشاه نارا ذات لهب.
فكلمة الأولى جار مجرى الدعاء والثانية ﮌ  ﮍ   إخبار أي وقد تب، و"قد" للتوكيد.
(ما أغنى عنه ماله وما كسب ()
كلمة ﭼ     نؤوله على حقيقته، وكذلك كلمة ﮒ   ﮓﭼ       . ولكن قيل على أن المراد بما كسب هو أولاده؛ لأن ولد الرجل من كسب أبيه. فبهذا التأويل كان لفظ "ما كسب" كناية عن ابنه. وذلك إطلاق اللفظ ويراد شيئا آخر مع قرينة لاتمنع من إرادة المعنى الحقيقي. وبهذا التأويل أيضا نكلف نفسنا لأنْ ندخل موضوع الاستعارة التبعية في الحرف وهو استخدام "ما" بمعنى "من" فـ"من" موضوع للعاقل و"ما" لغيره. ولايمكن أن نجرها (أي ما) للعاقل وهو الأولاد إلّا وقد حولناها إلى معنى "من".
(سيصلى نارا ذات لهب ())
لأنه سيصلى نارا ذات لهب يعنى أن أبا لهب باعتبار معناه الإضافي يصلح أن بكون كناية عن حاله وهى كونه جهنميا لأن معناه باعتبار إضافته ملابس اللهب كما أن معنى ابو الخير وأخو الحرب بذلك الاعتبار ملابس الخير والحرب واللهب الحقيقي لهب جهنم وهذا المعنى يلزمه أنه جهنمي ففيه انتقال من الملزوم إلى اللازم فهى كنية تفيد الذّم. وفيه مناسبة بين اسمه وبين كفره؛ إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب. وفي وصف النار بذلك زيادة كشف لحقيقة النار وهو كالتوكيد.
(وامرأته حمالة الحطب ())
وهي هي أم جميل أخت أبي سفيان، وهي التي قالت: في محمد – عليه السلام - مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا. ولقد قيل أن "حمّالة الحطب" كنايةٌ عن المشي بالنميمة. فهي تفسد بين الناس تحمل الحطب بينهم فتوقد بينهم النائرة وتورث الشر.  وقيل أيضا أنه يحتمل أن الحطب كنايةٌ عن الوزر والذنب.  
(في جيدها حبل من مسد () )
الجيد هو العنق، والغالب في الشعر العربي أن كلمة "جيد" لا تستعمل في حال النساء إلا إذا كان عنقها موصوفا بالحسن؛لأن المرأة تُحلّى أجيادها. ولكن أم جميل لا حُليّ لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها فلما أقيم لها ذلك مقامَ الحلي ذُكر الجيد معه.
والحبل هو ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض وتقيد به الدابة والمسجون كيلا يبرح من المكان. وتقديم الخبر ﮞ  ﮟ   للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة التي عُوضت فيها بحبل في جيدها عن العقد الذي كانت تُحلّى به جيدها في الدنيا فتربط به إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء وقد ماتت أم جميلة على الشرك. والمسد هو ليف من ليف اليمن شديد والحبال التي تفتل منه تكون قوية وصلبة. والمعنى، فى عنقها حبلٌ مما مسد من الحبال وإنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها فى جيدها كما يفعل الحطابون تخسيسا لحالها وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتغضب من ذلك ويشق عليها ويغضب بعلها أيضا.
والله أعلم بالصواب
 
;