بسم الله
الرحمن الرحيم
أحكام
السماعي
أ. تعريف السماعي
لغة ما نسب إلى السَّماع.
وأما تعريفه اصطلاحا فهو مالم تذكر
فيه قاعدة كلية مشتمل على جزئياتها.
ب. مبدأ السماعي
أن اللغة لا تثبت قياسا ولا يجري
القياس فيها. ولكن اختلفوا في الأسماء
المشتقة من المعاني، كما يقال في الخمر إنه مشتق من المخامرة أو التخمير، هل يجري القياس فيه أم لا؟ ومن قال أن للغة العرب
قياسا، وأنه تشتق بعض الكلام من بعض، مبنيٌ على قولهم بأن اللغة توقيفي. مثل
"الجن" مشتق من الاجتنان، وأن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر. كقول
العرب للدرع جُنّة، وأجنّة الليل، وهذا جنين أي في بطن أمه أو مقبور. فإن الذي وقف
على أن الاجتنان التستر هو الذي وقفنا على أن الجن مشتق منه.
والطريقة إلى معرفة اللغة هي إما
النقل المحض كأكثر اللغة أو استنباط العقل من النقل. والنقل إما متواتر أو آحاد.
وشروط التزام اللغة خمسة :
أحدها : ثبوت ذلك عن العرب بسند
صحيح يوجب العمل.
الثاني : عدالة الناقلين وهما أهل الأمانة والثقة والصدق كما تعتبر في الشرعيات.
الثالث : كون النقل عمن قوله حجة في
أصول اللغة.
الرابع : كون النقل قد سمع منهم
حسا.
الخامس : أن يسمع من الناقل
حسا.
ت. أحوال السماعي
كما عرفنا، أنّ
السماعي هو الذي لا يضبطه قياس ولا تحصره قاعدة. فلذلك، موضوع السماعي مذكور في كل
أبواب النحو والصرف مفترقاً ويصعب أن يجمع في مبحث واحد بشرح مبين وواضح مشتمل على
جميع أحكامه وأنواعه. لأنه لم يوجد في كل باب من أبواب النحو أو الصرف قاعدة إلا ومعها
مخرجات عن تلك القاعدة فيدخله إلى قضية السماعي
أو الناذر أو الشاذ أو ما في معناه.
قبل أن نبحث عن أبوال السماعي وما فيه،
ينبغي أن نعرف مصطلحات اللغة كحوشي والغرائب والشواذ والنوادر. أمّا الحوشي، فقال
في الصحاح : حوشي الكلام وحشية وغريبة().
وقال ابن رشيق في العمدة : الوحشي من الكلام ما نفر عن السمع. وإذا كانت اللفظة
حسنة مستغربة لايعلمها إلا العالم المبرّز، والأعرابي القح فتلك وحشية().
وأماالغرائب فجمع
غريبة، وهي بمعنى الحوشيّ. والشوارد جمع شادرة وهي أيضا بمعناها. وأماالنوادر فجمع
نادرة، قال في الصحاح : نذر الشيء بندر ندروا : سقط وشذّ ومنه النوادر().
وشذّ وهو انفراد عن الجمهور. فليعلم أنّ الكلام من حيث الاطراد والشذوذ على أربعة
أضرب :
1-
مطرد
في القياس والاستعمال جميعا
2-
مطرد
في القياس شاذ في الاستعمال
3-
المطرد
في الاستعمال الشاذ في القياس
4-
الشاذ
في القياس والاستعمال جميعا
وأن الكلام إذا اطرد في الاستعمال، وشذ
في القياس- وهو الضرب الثالث – فلابد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه، لكنه
لايُتّخذ أصلا يقاس عليه غيرُه. مثلا إذا سمعت "استَحْوَذ" و "استَصْوَب"
فأدّيتهما بحالهما ولم يتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما. فلا تقول
"استقَام" "استقْوَم" ولا في "استَبَاع" "استبْيَع" ولا في "أعاد" "أعْوَد"
قياسًا على قولهم : "أخْوَض الرمث" فإن كان الشيء شاذًا في السماع مطردًا
في القياس- وهو الضرب الثاني – تحاميت ما تمحامت العرب من ذلك، وجريت في نظيره على
الواجب في أمثاله.
ث. أبواب السماعي :
1.
مصدر الثلاثي السماعي
فعل
الماضي فعَل بفتح العين وفعِل بكسرها المتعديان فقياس مصدرهما فعْل. وأما فعِل
بكسر العين القاصر، فمصدره القياسي فَعَل يفتتحين. وأما فَعَل بالفتح اللازم فقياس
مصدره فعُول بضم الفاء. وأما فعُل بضم العين فقياس مصدره: فُعولة بالضم، وفَعالة بالفتح.
وما جاء مخالفا لما تقدم فليس بقياسى؛ وإنما هو سماعى، يحفظ ولا يقاس عليه.
فمن
الأول فعل الماضي على وزن فعَل بفتح العين المتعدي مثاله : طَلَبَ
مصدره طَلَبًا، ونَبَت مصدره نَبَاتًا. فمن الثاني فعل الماضي على وزن فعِل
بكسرالعين المتعدي مثاله : لَعِب مصدره لعبًا، كَرِه مصدره كَرَاهِية، قَبِل مصدره
قَبُولا. فمن الثالث فعل الماضي على وزن فعِل بالكسر القاصر مثاله : كرُم
مصدره كرما، وعظُم مصدره عِظَماً، و مجُد مصدره مُجدا.
نقل
ابن الحاجب مذهب الفراء في قياس المصدر من الثلاثي إذا لم يسمع حيث قال الفراء:"إذا
جاءك فَعَل مما لم يسمع مصدره فاجعله فَعْلا للحجاز وفُعُولا لنجد ونحو هُدىً
وقِرىً مختص بالمنقوص طَلَبا مختص إلا جلب الجرح والغلب"(). واعترض الاستربذي
حيث قال :"هذا هو قوله، والمشهور ما قدمنا، وهو أن مصدر المتعدي فَعْلٌ
مطلقا، إذا لم يسمع، وأما مصدر اللازم فَعُول من فَعَل المفتوح العين وفَعَل من
فَعِل المكسور وفَعَالة من فَعُل؛لأنه الأغلب في السماع فيرد غير المسموع إلى
الغالب"().
2. وزن أفعل
يقال أن دخول الهمزة التعدية قياسي في اللازم دون المتعدي
وقيل: المتعدي إلى واحد قياسي أيضا. وظاهر مذهب سيبويه -كما قد ذكره ذلك ابن هشام
في المغني-أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره().
3.
الفعل المضارع وأبوابه
وفي الأفعال ما يلزم
مضارعه في الاستعمال إمّا الضم وإمّا الكسر، وذلك إمّا سماعي أو قياسي، فالسّماعي
الضم في قتَل يَقْتُلُ، ونصرَ يَنْصُرُ، وخرجَ يخرُجُ، مما يكثر، والكسر في ضَرَب
يضرِبُ، ويعتِب، وغير ذلك مما لا يحصى.
4.
المقصور والممدود
المقصور هو الاسم
الذي حرف إعرابه ألف لازمة. وأما الممدود فهو الاسم الذي آخره همزة تلى ألفا
زائدة. فالمقصور والممدود ينقسمان على القياسي والسماعي فأما السماعي فضابطهما :
أن ما ليس له نظير اطرد فتح ما قبل آخره، فقصره موقوف على السماع، وما ليس له نظير
اطرد زيادة ألف قبل آخره فمده مقصور على السماع. مثاله، الفتى والحجا والثرى
والسنا. ومن الممدود الفتاء والسناء والثراء.
فنظير ما في
المقصور القياسي هو كل اسم معتل، ملتزم فتح ما قبل آخره. فنظير ما في الممدود
القياسي، هو كل اسم معتل ملتزم زيادة ألف قبل آخره.
5.
المثنى على التغليب (الملحق بالمثنى)
فتقول في أبو بكر وعمر
العُمَران و في الشمس والقمر القَمَران، فإنك تعطف فيهما مِثْلاً بل غَيْرًا، وهو من
باب التغليب. وهو باب معروف في اللغة، يُغلَّب فيه اسم على اسم فتارة ًيغلب الأشرف
وتارةً يغلب الأخف على الأثقل وتارةً يغلب المذكر على المؤنث وهو سماعي يحفظ ولا يقاس
عليه.
6.
الابتداء بساكن في الأسماء العشرة
فليعلم أنه لا يبتدأ