Jumat, 05 Juli 2013

الأشعار المؤثرة في نفوس الأخيار


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.  أما بعد، فهذا كتيب يبحث فيه عن الأشعار المؤثرة في النفوس. ونخص في هذا البحث عن تأثيراتها في ذات النبي صلى الله عليه وسلم وبقية الأصحاب الأخيار.
وكما قد عرفنا، أنّ رسول الله r ليس بشاعر ولا بكاهن ولا بساحر. وإنما هو رسول من عند الله تعالى، أرسله الله تعالى خاتم الأنبياء والمرسلين، ليدل الناس طريق السلام وصراط المستقيم. وأيّده الله تعالى بوحي ذي قيمة عظيمة مظهر صدق رسالته، ألا وهو القرآن الكريم.
فقد ورد في القرآن أنه يرد على المشركين على استنكارهم للإسلام مدعّما بأقوال شعرائهم، وينزل بحقهم آيات بينات تفضح مواقف شعرائهم الجهيلية. فقال تعالى: ]والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون[ [ الشعراء: 224-226].
وفي المقابل، لقد ظهر شعراء المسلمين حيث أسلموا بأسباب مختلفة، منها لاطلاعهم ولمعرفتهم دقائق أسلوب القرآن الكريم الذي ليس من كلام البشر. وما زال عندهم قدرة في إبداع أشعارهم ويغيرون بعض الأسلوب الذين كانوا يستألفون في إنشاء أشعارهم قبل إسلامهم. فجعل شعراء المدينة الشعر سلاحاً فعالاً فيه قيم إيجابية وردود عملية على تحدي المشركين، فنزلت بقية الآية تخفف من حدة إثم الشعر: ]إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون[ [ الشعراء: 227]
وكان يقول: ((إنما الشعر كلام مؤلف، فما وافق الحق منه فهو حسن وما لم يوافق الحق منه فلا خير منه))  

أولا: تأثير الشعر في ذات النبي r
 فقد كان رسول r يريد أن يدخل الشعر في المعركة مع قريش وكان يقول: (( ما يمنع القوم([1])  الذي نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟)) فقال حسان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال: ((والله ما يسرّني به مقول بين بصري وصنعاء))([2]) .
وكان رسول الله r يرى في بعض الشعر حكمة، ويرى في البيان الواضح منه سحراً يأخذ بالألباب، وكل هذا يدل على نفوذ الشعر في عصره. وكان بين يدي المسلمين آنذك، حسان بن ثابت([3]). وهو شاعر الرسول r، واللسان المبين للدعوة الإسلامية، الذي خلّد مواقفها في غرر شعره، وأبلى بلاءً حميداً في المنافحة عن رسول الله r، وهجاء أعدائه، حتى كانوا يستجيرون بالرسول عليه الصلاة والسلام من وقع هجائه ومضاء لسانه، وكان حسان أيضاً شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر أهل اليمن في الإسلام.
وقد انبرى حسان منذ هجرة المصطفى r إلى المدينة للدفاع عن الإسلام وهجاء أعدائه، خاصة أولئك الشعراء من قريش الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما اشتد هجاؤهم لرسول الله r، قال رسول الله r:« مايمنع القوم الذين نصروا رسول الله بأسيافهم أن ينصروه بألسنتهم ؟» فقال حسان: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، فقال رسول الله r:«كيف تهجوهم وأنا منهم ؟» فقال حسان: يارسول الله لأسلنك منهم كما تُسلّ الشعرة من العجين، فسُرَّ الرسول r به، وأكرمه ودعا له: أن يؤيده الله بروح القدس، ووعده الجنة جزاء منافحته عنه، ونصب له منبراً في المسجد الشريف ليلقي من فوقه شعره .
وقد سجلت كتب الأدب والتاريخ الكثير من الأشعار التي ألقاها حسان في مسجد سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي في هجاء الكفار ومعارضتهم، أو في مدح المسلمين ورثاء شهدائهم وأمواتهم.
فمن الأشعار التي يهجو بها شعراء المشركين قوله من قصيدة ينافح بها عن النبي r ويهجو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب الذي هجا الرسول صلى الله عليه وسلم:

ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء
*
بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
*
أتهجوه ولستَ له بكفءٍ فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركاً برّاً حنيفاً أمين الله شيمته الوفاء
*
فمن يهجورسول الله منكم ويمدحه وينصُره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
*
لساني صارم لاعيب فيه وبحري لاتكدره الدلاء([4]).

وربما أثّر الشعر في ذات الرسول r، فحمله على إصدار العفو عن الذين اتخذوا المواقف السلبية من الدعوة الجديدة، كما فعل مع كعب بن زهير. ومن هذا القبيل موقفه من قتيلة بنت النَّضر، فقد قتل النبي r أباها النّضر بن الحارث بن كلدة عقب معركة بدر، لشرّه وشدّة أذاه، فجاءته قتيلة فأسمعته([5]) :
أمُحَمَّدٌ ولأَنْتَ ضَنءُ نَجِيْبَةٍ


في قَوْمِها والفَحْل فحلٌ مُعْرِقُ

ما كانَ ضرَّكَ لو مننْتَ وربَّمَا


منّ الفتى وهو المغيظ المحنِقُ

فالنّضر أقربُ من تركْتَ قرابةً


وأحَقّهم إنْ كانَ عِتْقٌ يَعْتِقُ

معنى الأبيات:
1.  الضنء: الولد، والنجيبة: الكريمة، والمعرق: من له عرق في الكرم. والمعنى: يا محمد إن التي ولدتك كريمة قومها والذي ولدك سيد عريق في الكرم فأنت خلاصة شريفين.
2.  المعنى: إذا كنت كذلك فما كان يضرك لو مننت على أخي وأطلقته وليس هذا عيبا عليك إذ قد يعفو الفتى مع انطوائه على الغيظ والحنق.
3.    المعنى أن النضر أقرب الإسراء الذين أسرتهم إليك وأحقهم بالعتق إن وقع فكاك أو عتق([6]).

فرق لها الرسول r وبكى، وقال: ((لو بلغني شعرها قبل قتله ما قتلته)). ولكن، ليس معناه الندم؛ لأنه r لا يفعل إلاّ حقًّا. والظاهر، أنّ التأثير جاء من عند رسول الله من حيث هي فتاة فقدت معيلها ووالدها؛لأنّ الشعر- كما نرى- لا شيء فيه سوى الحديث عن مواقف يتخذها رؤساء القبائل في حروبهم، من عفو عند المقدرة، ومن كرم. وما كان رسول الله إلا نبيّاً رحيماً ليس إلا.
كذلك عفا النبي عن أسرى حنين من هوازن بشعر أبي جرول الجشمي وكان رئيس قومه، فوقف وهو بين الأسرى الذين أسرهم الرسول يوم حنين، وأنشده([7]) :
امْنِنْ علينَا رسول في حرم


فإنك المرء نرجوه وننتظر

امْنِنْ على نسوة قد كنتَ ترضعها


يا أرجحَ النّاسِ حِلماً حين يختبر

إنّا لنشكر للنعمى التي كفرت


وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر

فلما سمع رسول الله r هذا الشعر قال : ((ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)) فقالت القريش: ما كان لنا فهو لله ورسوله وقالت الأنصار:ما كان لنا فهو لله ولرسوله.

ثانيا: تأثيره في ذات عمر بن خطاب
ولعب الشعر الدور ذاته بعد الرسول r وفي أبرز مسائل العقيدة وفي ركن من أهم أركان الإسلام وهو الجهاد. فيحقق المخبّل السعدي غايته في استرداد ابنه شيبان الذي خرج مع سعد بن أبي وقاص إلى غزو فارس، وكان شيخاً مسناً ضعيفاً، فما برح يناديه ويتألم لفراقه ويدعوه للعودة ألماً عليه ووَجْداً، وحين لم يملك الصبر، مضى إلى الخليفة عمر، فأنشده([8]) :
أيهلكني شبيان في كلِّ ليلةٍ


لقلبي من خَوْف الفراق وجيبُ

ويخبرني شيبان أن لم يعفني


تعق إذا فارقتني وتحوبُ

فإن يك غصني أصبح اليوم بالياً


وغصنك من ماء الشباب رطيبُ

فإني حنت ظهري خطوب تتابعت


فمشي ضعيف في الرجال دبيبُ

أشيبان ما يدريك أن كلَّ ليلة


غبقتك فيها والغبوق حبيبُ

فأمر بأشخاصه إليه، وتأثر كثيراً فأمر بأن لا يغزو من له أب هرم إلا بعد أن يأذن لـه راضياً بهجرته. وعرف الشعراء نفوذ الشعر في عهد عمر، ففزع إليه أبو خراش الهذلي حين هاجر ابنه مع المجاهدين إلى الشام. فأنشده شعراً مؤثراً، فأمر برده عليه، وأصدر أمره السابق الذكر.

ثالثا: تأثيره في ذات علي كرم الله وجهه
وقد وقف أعرابي على عليّ بن أبي طالب، فقال: إن لي إليك حاجة رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن قضيتها حمدت الله تعالى وشكرتك، وإن لم تقضها حمدت الله تعالى وعذرتك. فقال له علي: خط حاجتك في الأرض فإني أرى الضرَّ عليك، فكتب الأعرابي على الأرض (إني فقير) فقال عليّ: يا قنبر، ادفع إليه حلتي الفلانية، فلما أخذها مثل بين يديه، فقال:
كسوتني حلّة تبلى محاسنها


فسوف أكسوكَ من حُسْن الثّنا حلَلا

إن الثّناء ليحي ذكرَ صاحبه


كالغيث يُحْي نداه السّهل والجبلا

لا تزهدِ الدَّهر في عرف بدأت به


فكلُّ عَبْدٍ سيُجْزى بالذي فعلا

فقال علي: يا قنبر أعطه خمسين ديناراً، أما الحلة فلمسألتك، وأما الدنانير فلأدبك، سمعت رسول الله r يقول: [انزلوا الناس منازلهم]([9]) .
ثم إنّ الثناء ليس إلاّ الإعلام ويكون في الإيجابي من الأمور. وهو في الشعر مقابل لوسائل الإعلام في عصرنا. فهي من أكثر الأمور نفعاً للمرء، فالصحف، والإذاعات، والرأي، والتصوير بأشكاله المتنوعة، في عالمنا المعاصر تعطي مردوداً إيجابياً لمن دارت حوله تلك الوسائل، إن كانت فيه تلك الصفات حقاً، وإلا فالمردود عكسي. ومردود تلك الوسائل لا يقل عن مردود الثناء الشعري الإيجابي عصرئذ. والله أعلم


قائمة المراجع:
1.      البيان والتبيين، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)، دار ومكتبة الهلال، بيروت-لبنان، 1423 هـ.
2.      زهر الآداب وثمر الألباب، إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري، أبو إسحاق الحُصري القيرواني (المتوفى: 453هـ)، دار الجيل، بيروت-لبنان.
3.      نهاية الأرب في فنون الأدب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (المتوفى: 733هـ)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة-مصر، الطبعة: الأولى، 1423 هـ.
4.       أسد الغابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ)، دار الفكر، بيروت-لبنان، 1409هـ - 1989م
5.      شرح ديوان الحماسة للتبريزي، يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ التبريزي، أبو زكريا (المتوفى: 502هـ)، دار القلم، بيروت- لبنان.
6.      سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ)،المحقق:الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
7.      شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، الدكتور/ النعمان عبد المتعال القاضي، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة: الأولى 1426هـ-2005م.
8.      العمدة في محاسن الشعر وآدابه، أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، الطبعة: الخامسة، 1401 هـ - 1981 م.
9.      المستطرف في كل فن مستطرف، شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ)، عالم الكتب – بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ





([1]) يريد الأنصار.
([2]) البيان والتبيين (1/153).
([3]) هو حسان بن ثابت بن المنذر من بني مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد عام 60 قبل الهجرة وتوفي عام 54هـ.

([4]) موسوعة الشعر الإسلامي، جمعها وأعدها: الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود.
([5]) البيان والتبيين للجاحظ(3/273)، وفي زهر الآداب (1/66)، وفي نهاية الأرب في فنون الأدب (17/47)، وفي أسد الغابة (4/543).
([6]) شرح ديوان الحماسة للتبريزي (1/ 401).
([7]) أسد الغابة (2/111)،وفي سبل الهدى والرشاد للشامي (5/392)، وفي البداية والنهاية لابن كثير (3/420)، وفي سير أعلام النبلاء (2/219)، وفي نهاية الأرب في فنون الأدب (17/341).
([8]) شعر الفتوح الإسلامية (1/33).
([9]) العمدة في محاسن الشعر وآدبه (1/29)، المستطرف في كل فن مستطرف (1/173).

0 comments:

Posting Komentar

 
;