بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على سيد المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما
بعد، فإن هذا بُحيث يعبر فيه عن ما يدور في ذهني حول الموضوع المطروح. وقد كتبت
موضوعا عاما عن صيغة منتهى الجموع. وسأحاول أن أجمعه باختصار تحت عناوين صغرى
كالتالي :
أولا:
تعريف "منتهى الجموع"
هو كل جمع كان بعد
ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن([1]).
وقد تسمى أيضا الجمع الأقصى. وهناك شيء اسمه "شبه منتهى الجموع".
تعريفه، ذكره في المعجم المفصل عن تعريف شبه منتهى الجموع تعريفَ الاصطلاحي، هو
اسم يدل على واحد، وهو بصيغة من صيَغ منتهى الجموع، نحو : ((سراويل)) الذي يدل على
مفرد وهو بمعنى ((السروال)). وسميت بصيغة منتهى
الجموع لانتهاء الجمع إليها، فلا يجوز أن يجمع بعدها مرة أخرى، بخلاف غيرها من الجموع
فإنها قد تجمع، مثل : كلب، وأكلب وأكالب. ونَعْم وأنعام وأناعم.
قال الشيخ الرضى: ((وصيغة
منتهى الجموع هي وزن غاية جموع التكسير؛ لأنه، يجمع الاسم جمع التكسير جمعاً بعد جمع
فإذا وصل إلى هذا الوزن امتنع جمعه التكسير. وإنما قيدنا بغاية جمع التكسير؛لأنه لا
يمتنع جمعه جمع السلامة، وإن لم يكن قياساً مطردا )) ([2])،ومثّل
بقوله صلى الله عليه وسلم: ((انّكن صواحبات يوسف
)) وقوله: جذب الصراريين بالكرور... يثانيها.
فـ صراريين جمع صراء،وهو جمع صار بمعنى الملاح، فهما جمعا سلامة.
ثانيا:
صيَغه
أما
صيغه فكثيرة جدا، عددها علماء الصرف على تسعة عشر وزنا([3])،
وهي:
-فَعالِيل
كـ دنانير
|
-مَفاعِل
كـ مساجد
|
-فَواعِيل
كـ طواحين
|
-فَعالِي
كـ تراق
|
-أفاعِل كـ أنامل
|
-مفَاعِيل
كـ مصابيح
|
-فَيََاعِل
كـ صيارف
|
-فُعالى
كـ سكارى
|
-أفاعِيل كـ أضابير
|
-يَفاعِل
كـ يحامد
|
-فياعِيل
كـ دياجير
|
-فَعالِيُّ
كـ كراسِيّ
|
-تفاعِل كـ تجارب
|
-يَفاعِيل
كـ يحاميم
|
-فعائل
كـ صحائف
|
|
-تفاعِيْل كـ تسابيح
|
-فَوَاعِل
كـ خواتم
|
-فَعَالى
كـ عذارى
|
|
وحاول علماء اللغة أن يجعلوها تحت قاعدة مطردة. قال شيخ
الرضى في شرحه على الكافية: (( وضابط هذه الصيغة: أن يكون أولها مفتوحا، وثالثها ألفا
وبعدها حرفان، أدغم أحدهما في الآخر، أو لا، كمساجد، ودواب، أو ثلاثة ساكنة الوسط،
فلو فات هذه الصيغة لم تؤثر الجمعية، كما في حمر، وحسان، مع أن في كل واحد منهما الجمعية
والصفة)).
واشترط
في هذه الصيغة أن تكون بغير هاء. وذلك، احترازا عن نحو: ملائكة؛ لأنّ التاء تقرب اللفظ
من وزن المفرد، نحو كراهية وطواعية وعلانية، فتكسر من قوة جمعيته، فلا يقوم مقام السببين،
ولا سيما على مذهب من قال إنّ قيامه مقامهما لكونه لا نظير له في الآحاد، ولا يلزم
منع ثمان ورباع وحزاب، وإن حصلت فيها صيغة منتهى الجموع؛ لأن هذه الصيغة شرط السبب،
والمؤثر هو المشروط مع الشرط([4]).
ثالثا:
الفرق بين منتهى الجموع و جمع الجمع
ويمكن أن نقول الفرق بينهما أن منتهى
الجموع له صيغة معينة يقاس عليه، بينما جمع الجمع سماعيّ، فما ورد منه يُحفظ ولا
يقاس عليه. ومما سُمع: بيت بُيوت بُيوتات، رَجُل رِجال رجالات، طريق طرق طرقات، عَطاء
أَعْطية أَعْطِيات، فتْح فتوح فتوحات، فَيْض فُيوض فُيُوضات.
رابعا:
المسائل المتعلقة بها
1-في
باب التصغير؛ جواز التصحيح وقلب الواو ياء في الكلمة التي جمعت على صيغة
منتهى الجموع.
يقال فيه أن الواو الواقعة بعد ياء التصغير -التي لا تحذف
- لا يخلوا إما أن تكون لاماً أو غير لام، فاللام تقلب ياء لا غير، تقول: غُزَيّ وعُرَيَّة
في غَزْو وعُرْوة، وكذا غُزَيَّان وعُشَيَّاء وغُزَيَّيّة بياءين مشدّدتين، في تصغير
غزوان وعشوا وغَزْويَّة منسوبة إلى الغزو وأما غير اللام فإن كانت ساكنة في المكبر
فلابد من قلبها ياء، نحو عُجَيِّز وجُزَير في عَجوز وجَزور، وإن كانت فيه متحركة أصليةً كانت كأسْوَد
ومِزْوَد، أَو زائدة كَجَدْوَل فالأكثر القلب، ويجوز تركه كأسَيْوِد وجُدَيْوِل ،
وذلك، لقوّة الواو المتحركة، وعدم كونها في الآخر هو محل التغيير، وكون ياء التصغير
عارضة غير لازمة. قال شيخ الرضى الاسترابادي في شرحه على ابن حاجب :(( قال بعضهم: إنما
جاز ذلك حملاً على التكسير، نحو جداول وأساود، ولو كان حملاً عليه لجاز في مقام ومقال
مُقَيْوم ومُقَيْول كما في مقاول ومقاوم))([5]).
قال في الهامش تعليقا على قوله ((أسود
وجدول)): ((أسود
أصله صفة من السواد، وقد سمى به نوع الحيات وهو العظيم الذى فيه سواد وقد قالوا في
مؤنثه أسودة وقالوا في مؤنث الصفة سوداء ولم يفرق المؤلف رحمه الله بين الصفة والاسم
في جواز الوجهين - وهما التصحيح وقلب الواو ياء في التصغير -، والذي حكاه أبو الحسن
الأشمونى في شرحه الى الالفية في باب الابدال أنه إن جمعت الكلمة على صيغة منتهى الجموع
جاز فيها الوجهان في التصغير، وذلك كأسود الاسم وجدول فقد قيل في جمعهما أساود وجداول،
وأما إن كانت الكلمة لم تجمع على هذه الزنة فليس فيها إلا الاعلال وذلك كأسود وأعور
وأحول وأحور إذ جاء جمعها على فعل - بضم فسكون - وإنما أجاز الوجهين: أما الاعلال فلانه
الاصل، وأما التصحيح فحملا للتصغير على التكسير، وإنما لم يفرق المؤلف هذا الفرق لانه
جعل علة جواز التصحيح قوة الواو بالحركة. اهـ)).([6])
2-إلحاق صيغة منتهى الجموع
بالتاء
قد تلحق التاء صيغة منتهى الجموع: إمَّا عِوَضًا عن الياء
المحذوفة، كقَنَادِلَة فى قناديل، وإمّا للدلالة على أن الْجمع للمنسوب لا للمنسوب
إليه، كأشَاعِثَة وأزارِقَة ومَهَالِبَة، وفي جمع أَشْعَثي وأزرقيّ ومُهَلَّبِي، نسبة
إلى أشعثَ وأزرقَ ومهلبَ، وإمّا لإلحاق الجمع بالمفرد، كصَيَارِفة وصيَاقِلة، جمع
صَيْرَف وصَيْقل لإلحاقهما بطَواعية وكراهية، وبها يصير الجمع منصرفا بعد أن كان ممنوعًا
من الصرف. وربما تلحق التاءُ بعضَ صيغ الجموع لتأكيد التأنيث اللاّحق له، كحجارة وغمومة
وخُؤولة([7]).
3-في
العدد؛ ابتداء العدد في صيغة منتهى الجموع
كما قد عرفنا، أن جمع القلة يبتديء بالثلاثة وينتهي بالعشرة.
وجمع الكثرة يبتديء بالثلاثة ولا نهاية له. ويستثنى من ذلك، صيغة منتهى الجموع، فإنها
تبتديء بأحد عشر. وذلك، إنما هو فيما كان له جمع قلة وجمع كثرة. أما ما لم يكن له إلا
جمع واحد ولو كان صيغة منتهى الجموع فهو يستعمل للقلة والكثرة. وذلك كرجال وأرجل وكتب
وكتاب وأفئدة وأعناق وكواتب ومساجد وقناديل([8]).
أما ما له جمع قلة وجمع كثرة، كأضلع وضلوع وأضالع فالعرب قد تستعمل اللفظ الموضوع للقليل
في موضع الكثير. وإنّ الجموع قد يقع بعضها موضع بعض ويستغنى ببعضها.
4-خلاف
العلماء في تنوين العوض، هل الإعلال مقدَّم على منع الصرف أو العكس؟
كما قد عرفنا، أن أقسام التنوين أربعة،
منها تنوين العوض. وقد اختلف العلماء فيه. يقال أنّ تنوين العوض وهو إما عوض عن حرف.
وذلك تنوين نحو جوارٍ وغواشٍ،وذك التنوين عوض عن الياء المحذوفة في الرفع والجر، وهذا
مذهب سيبويه والجمهور. وذلك، لما فيه من التقاء الساكنين. وقالوا أنّ الإعلال
مقدَّم على منع الصرف لتعلق الإعلال بجوهر الكلمة بخلاف منع الصرف فإنه حال للكلمة.
فأصل جوارٍ جواريُ بالضم، والتنوين استثقلت الضمة على الباء فحذفت ثم حذفت الياء لالتقاء
الساكنين ثم حذف التنوين لوجود صيغة منتهى الجموع تقديرًا؛ لأنّ المحذوف لعلة كالثابت
فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظًا بكونه منقوصًا ومعنى
بكونه فرعًا، فعوّضوا التنوين من الياء لينقطع طمع رجوعها، أو للتخفيف بناءً على حمل
مذهبهم على تقديم منع الصرف على الإعلال: فأصله بعد منع صرفه جواري بإسقاط التنوين
استثقلت الضمة على الياء فحذفت ثم حذفت الياء تخفيفًا، وعوّض عنها التنوين لئلا يكون
في اللفظ إخلال بالصيغة.
ومقابل مذهب سيبويه والجمهور ما قاله المبرد والزجاج أنه
عوض عن حركة الياء ومنع الصرف مقدّم على الإعلال فأصله بعد منع صرفه جواري بإسقاط التنوين
استثقلت الضمة على الياء فحذفت وأتى بالتنوين عوضًا عنها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين،
وكذا يقال في حالة الجر على الأقوال الثلاثة. وإنما كانت الفتحة حال الجر على تقديم
منع الصرف ثقيلة لنيابتها عن ثقيل وهو الكسرة([9]).
ﭽ والله أعلم بالصواب ﭼ